حوادث وقضايا

محكمة جنايات الإرهاب تصدر أحكامًا مشددة بحق معاذ الشرقاوي ويحيى عبدالهادي

في سرد درامي أشبه بلقطة مأخوذة من فيلم سياسي مكثف، أسدلت محكمة جنايات الإرهاب الستار على واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في المشهد الحقوقي المصري، بإصدارها حكمًا بالسجن المشدد 10 سنوات بحق الناشط الطلابي والحقوقي معاذ الشرقاوي، في القضية رقم 540 لسنة 2023 حصر أمن دولة عليا، وسط انتقادات واسعة من منظمات حقوقية وصفت المحاكمة بأنها “ذات طابع سياسي أكثر من كونها قضائية”.

من النشاط إلى الاتهام

لم يكن معاذ الشرقاوي مجرد طالب جامعي يحمل على كتفيه أحلام التغيير، بل كان صوتًا طلابيًا صاعدًا، وناشطًا حقوقيًا يطالب بإصلاحات دستورية واجتماعية. لكن هذا الصوت خفت فجأة، حين اختفى الشرقاوي قسرًا لأكثر من ثلاثة أسابيع، في ظروف وصفتها أسرته بـ”الغامضة والمرعبة”، إذ لم تعلن أي جهة رسمية عن مكان احتجازه أو أسباب القبض عليه.

بحسب رواية ذويه، اختُطف معاذ من أحد شوارع القاهرة، واقتيد إلى مكان غير معلوم، حيث تعرّض – وفقًا لبلاغ رسمي – إلى الضرب على الوجه والكتفين، والتنقل بين أماكن احتجاز غير قانونية، دون السماح له بالتواصل مع محامٍ أو حتى معرفة التهم الموجهة إليه. بعدها، ظهر فجأة أمام نيابة أمن الدولة العليا، محاطًا بالغموض، مثقلًا بالاتهامات.

التهم: كيان وهمي وأدلة غائبة

اتهمت النيابة الشرقاوي، إلى جانب متهمين آخرين، بالانضمام إلى “جماعة إرهابية أُسست على خلاف أحكام القانون”، ونشر “أخبار وبيانات كاذبة”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”. وبحسب وصف التحقيقات، فإن الجماعة المفترضة تسعى “لتعطيل العمل بالدستور، ومنع مؤسسات الدولة من أداء دورها، والإضرار بالوحدة الوطنية”.

لكنّ هيئة الدفاع كشفت عن ثغرات جسيمة في أوراق القضية، قائلة إن الاتهامات بنيت بالكامل على تحريات أمنية وصفتها بـ”الرأي الأمني المجرد”، دون تسجيلات أو منشورات محددة تثبت التهم. واعتبرت أن القضية تفتقر لأي دليل مادي ملموس، ما يجعل الحكم الصادر بحق معاذ “حكمًا سياسيًا بامتياز”، حسب تعبيرهم.

قضية موازية: يحيى عبد الهادي في مرمى الاتهام

بالتوازي مع هذه القضية، كانت نيابة أمن الدولة العليا تواصل التحقيق في ملف منفصل أثار هو الآخر ضجة سياسية، يخص السياسي البارز والكاتب المعروف يحيى حسين عبدالهادي، المحتجز على ذمة القضية رقم 3916 لسنة 2024.

تضمنت لائحة الاتهام بحقه: “التحريض على استخدام العنف ضد الدولة”، و”تمويل جماعة إرهابية”، و”نشر أخبار كاذبة”. لكن اللافت أن الأدلة كانت مقتصرة على منشورات ومقالات كتبها عبد الهادي على صفحته بموقع “فيسبوك”، لم يُنكرها بل تمسك بها قائلاً أمام النيابة “كل كلمة كتبتها أعتز بها وأتشرف بها”.

وكانت أجهزة الأمن قد أعدّت تقريرًا تقنيًا حول نشاطه الإلكتروني، واعتبرته “محرضًا على الدولة”، في حين اعتبر محاموه أن ما كُتب يدخل ضمن حدود حرية التعبير المكفولة دستوريًا.

اختفاء قسري جديد وردود فعل متصاعدة

واقعة القبض على عبد الهادي أيضًا لم تخلُ من الغموض. اختفى من شارع صلاح سالم بالقاهرة، قبل أن يظهر لاحقًا في النيابة، وسط صمت رسمي أثار مخاوف حقوقية، دفعت الدكتور عبد الجليل مصطفى – أحد رموز “الجمعية الوطنية للتغيير” – إلى تقديم بلاغ رسمي للنائب العام، واصفًا ما جرى بـ”الاختطاف خارج القانون”.

وفي الوقت الذي يتزايد فيه الانتقاد المحلي والدولي لمسار الحريات العامة في مصر، يرى مراقبون أن القضيتين تمثلان مؤشرًا صارخًا على تصعيد جديد ضد المعارضة المدنية، وتضييقًا غير مسبوق على حرية التعبير، عبر أدوات قانونية واتهامات فضفاضة.

وبين أحكام بالسجن القاسي واختفاءات قسرية وتقارير أمنية تعتمد على المنشورات والتدوينات، يبقى التساؤل الأبرز: هل أصبح التعبير عن الرأي جريمة تستوجب سنوات خلف القضبان؟ أم أن المشهد المصري يعيد تشكيل ذاته على نحو لا يحتمل سوى صوت واحد؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى