الهجرة النبوية تكشف حلولًا أخلاقية لأزمات النزوح العالمي المتصاعد اليوم

تمثل الهجرة النبوية نموذجًا خالدًا في إدارة الأزمات الاجتماعية والسياسية، وتشكل مثالًا تاريخيًا فريدًا في تحويل المحنة إلى مشروع حضاري متكامل؛ حيث نجح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في قيادة جماعة مستضعفة ومضطهدة من قلب القهر إلى فضاء الحرية، عبر تخطيط استراتيجي وقيم إنسانية راسخة لا تزال حتى اليوم تقدم حلولًا أخلاقية وعملية لمعالجة أزمات النزوح القسري والصراعات المجتمعية المعاصر
أكد الباحثون أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت استجابة استراتيجية واعية لمعاداة النظام القريشي للدعوة الإسلامية إذ اختار النبي صلى الله عليه وسلم التحرك بعد بناء أسس التحالف مع أهل المدينة بما يعرف بـ«بيعة العقبة الثانية» ما يعكس أهمية التخطيط المسبق والتأمين السياسي في أي عملية لجوء
أشار الباحثون إلى أن الهجرة النبوية لم تكن مجرد انتقال جغرافي بل تأسيس لدولة تتبنى الحقوق والمواطنة والكرامة كقواعد لبناء مجتمع جديد يجمع بين المهاجرين والأنصار على أساس من التكافل الإنساني والعدالة الاجتماعية
لفت الباحثون إلى أن وثيقة المدينة التي أبرمها النبي بعد الاستقرار في يثرب تمثل أول عقد مدني يُقر بالتعدد الديني والحقوق الجماعية وهي بذلك تسبق المواثيق الدولية المعاصرة بشأن اللاجئين والمواطنين الأصليين
أفاد الخبراء بأن دروس الهجرة النبوية تؤكد أن القيم المؤسسة لأي مشروع حضاري يجب أن تقوم على استيعاب التنوع وحماية المستضعفين وتمكين الاندماج الاجتماعي وهي دروس بالغة الأهمية في ظل ازدياد خطاب الكراهية والعنصرية في العالم تجاه المهاجرين
أضاف الباحثون أن الأزمات الجارية من سوريا إلى السودان ومن ميانمار إلى غزة تكشف عن عجز النظام الدولي عن توفير حماية كافية للنازحين والمهاجرين إذ تشير الأرقام إلى أن هناك أكثر من 122 مليون شخص نزحوا قسريًا حتى عام 2024 نتيجة النزاعات والعنف والاضطهاد
استعرض الباحثون أن ما يزيد عن 184 مليون مهاجر دولي يعيشون خارج أوطانهم وهو ما يعادل أكثر من 2.3% من سكان العالم وهو رقم قياسي لم يسجل منذ بداية التسجيل الإحصائي المنظم لهذه الظاهرة
أعلن الباحثون أن النموذج النبوي قدّم تصورًا رائدًا في احتضان الآخر ودعمه نفسيًا وماديًا كما يتضح من موقف الأنصار الذين تقاسموا كل ما يملكون مع المهاجرين ما يمثل درسًا أخلاقيًا وعمليًا يجب أن تتبناه السياسات الدولية في برامج إعادة التوطين والاندماج
قال الباحثون إن غياب هذا المنظور القيمي يجعل بعض السياسات الغربية تتسم بالانعزال والانغلاق كما يتجلى في تقنين الطرد الجماعي كما في بعض الدول الأوروبية واشتراطات غير إنسانية لقبول اللاجئين
نبه الباحثون إلى أن وثيقة المدينة التي تضمّنت بنودًا لحماية كل من يعيش تحت سقف الدولة الجديدة دون اعتبار لدينه أو عرقه تشبه من حيث الجوهر بنود الاتفاقيات الدولية الحديثة مثل اتفاقية جنيف لعام 1951 بشأن اللاجئين
صرح الباحثون أن الهجرة النبوية رغم أنها فرضت من واقع الاضطهاد إلا أنها أنتجت نظامًا اجتماعيًا جديدًا لا يعتمد على منطق الغلبة بل على القبول المتبادل والشورى وهو ما يُعد رؤية بديلة للأنظمة المركزية المتصلبة التي تفشل اليوم في إدارة التعدد السكاني
أوضح الباحثون أن التحديات المعاصرة التي تواجهها دول كثيرة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في استيعاب اللاجئين تعود إلى غياب نموذج تضامني فعّال يدمج المهاجرين ضمن نسيج المجتمع كما فعل الرسول بين الأوس والخزرج والمهاجرين في المدينة
لفت الباحثون إلى أن الهجرة النبوية كانت حركة تحوّل من الضعف إلى التمكين عبر بناء الدولة وليس عبر الصراع مع المجتمعات الجديدة وهذا ما يفشل فيه الكثير من الأنظمة المعاصرة التي تُقصي المهاجر وتضعه في معازل اجتماعية واقتصادية
أشار الباحثون إلى أن التغير المناخي أصبح محفزًا أساسيًا للهجرة كما حدث في القرن السابع للهجرة بعد عام الرمادة وهو ما يشبه ما نشهده اليوم من نزوح أكثر من 23.7 مليون إنسان بسبب الكوارث المناخية فقط في عام واحد حسب تقارير أممية
أكد الباحثون أن الاستفادة من دروس الهجرة النبوية في دعم اللاجئين لا يتوقف على البُعد الإنساني بل يمتد إلى البُعد الاقتصادي حيث أظهرت دراسات حديثة أن إدماج المهاجرين في سوق العمل يرفع الناتج المحلي بنسبة 1.5 إلى 3% خلال عقد واحد
أفاد الباحثون أن بعض الدول الغربية مثل كندا بدأت باعتماد نماذج مستمدة من روح التكافل في سياسات “الراعي المجتمعي” للمهاجرين حيث تتكفل مجموعات أهلية باستضافة وإدماج المهاجرين بدعم حكومي مما يشبه أخلاقيات الأنصار في المدينة
نبه الباحثون إلى أن استلهام الهجرة النبوية في السياسات التعليمية والاجتماعية يساعد في خلق بيئة مستدامة تقاوم التطرف والعنف وتبني مفاهيم الانتماء التشاركي للمهاجرين وأبنائهم
أوضح الباحثون أن تجربة الهجرة كانت أيضًا تجربة إصلاح إداري ومؤسسي حيث أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم نظام السوق المفتوحة وأقر أنظمة للوقف والزكاة كمصادر دعم تعاوني وهو ما تحتاجه الدول اليوم لتمويل برامج المهاجرين دون إرباك ميزانياتها
صرّح باحثون في الشؤون الدولية أن مشهد الهجرة اليوم بحاجة إلى منظومة أخلاقية جديدة تستمد من نماذج حقيقية للتكافل والعدالة مثل ما تحقق في الدولة النبوية الأولى بدلًا من الاقتصار على الحلول التقنية والإجراءات الأمنية
استدرك الباحثون بأن نجاح النموذج النبوي لا يُفهم بمعزل عن عنصر القيادة الواعية التي جمعت بين الرسالة الإيمانية والحكمة السياسية ما يعيد طرح مسألة القيادة الأخلاقية في إدارة ملف الهجرة واللجوء المعاصر
أكد الباحثون أن العالم في حاجة إلى ما وصفه البعض بـ”الهجرة الحضارية” التي تقوم على الانتقال من مفاهيم السيادة الصلبة إلى مفاهيم السيادة التشاركية حيث تصبح الأرض مأوى وليس متراسًا