مقالات وآراء

د. محمد عماد صابر يكتب : الفقر المُميت وأزمة مصر المركبة!

في حادث مأساوي جديد، لقيت 19 فتاة من محافظة المنوفية مصرعهن أثناء توجههن للعمل اليومي، ضحايا للإهمال المزمن في البنية التحتية وسوء توزيع الموارد.
الحادث ليس استثناءً، بل هو امتداد لسلسلة من الحوادث التي تسحق فيها قسوة الحياة الفقراء، وتكشف هشاشة الحماية الاجتماعية وغياب العدالة.
تسليط الضوء على جذور هذه الأزمة المركبة واقتراح حلول واقعية “قابلة للتنفيذ” توجب علينا وجوبا أن نتناول هذا الحدث المؤلم
فى هذه النقاط:

أولا؛ الخلفية العامة للأزمة:


شهدت مصر، لا سيما منذ عام 2013، تراجعًا واضحًا في مؤشرات التنمية التي تمس حياة المواطنين مباشرة: الصحة، التعليم، النقل، الحماية الاجتماعية. وعلى الرغم من تنفيذ مشروعات ضخمة مثل الكبارى والعاصمة الإدارية، فإن معظم هذه المشروعات لا تخدم الفئات الفقيرة أو الريف المهمّش. ويعيش المواطن البسيط في قطيعة شبه كاملة مع هذه “النهضة المصورة”.

ثانيا: البنية التحتية والنقل في القرى والنجوع: تعاني القرى المصرية من طرق متهالكة، ومعديات بدائية غير آمنة، وغياب تام للتخطيط والنقل الجماعي.
لا يزال الاعتماد على وسائل نقل غير مؤمنة يشكل تهديدًا يوميًا للأرواح، وخصوصًا النساء العاملات والطلاب.

ثالثا؛ الاقتصاد غير الرسمي والعمالة اليومية: تمثل العمالة اليومية في مصر ما يزيد عن 40% من القوة العاملة، دون تأمين صحي أو اجتماعي.
تجبر الظروف الاقتصادية القاسية حتى الطلاب المتفوقين على العمل، في ظل انعدام فرص الدعم أو الحماية.
الطالبة في كلية الهندسة التي لقيت حتفها في هذا الحادث تمثل نموذجًا فجًّا لغياب العدالة.

رابعا؛ الطبقية الجديدة في مصر: في مقابل الفقراء الذين يموتون على الطرق، هناك طبقة جديدة تستفيد من مشروعات الدولة، تمتلك السيارات وتعيش في مجتمعات مصورة.
توزع الموارد والخدمات في مصر بات منحازًا بشكل صارخ.

خامسا: الإطار القانوني والمؤسسي: الغالب تُطبّق القوانين بانتقائية، ولا تُفعّل آليات المحاسبة عند الحوادث.
لا توجد مسؤولية واضحة للدولة تجاه أرواح المواطنين، ولا تُخصص ميزانيات كافية لصيانة الطرق أو تحديث منظومة النقل في القرى.

سادسا؛ الأثر الاجتماعي والنفسي: تكرار الحوادث وغياب المحاسبة يؤثر سلبًا على ثقة الناس بالدولة، ويدفع كثيرين لفقدان الأمل في تحسن أحوالهم.
يتفاقم الشعور باللاجدوى، وتنمو مشاعر الغضب والسخط
.

“الحلول المقترحة”


1.⁠ ⁠على المدى القصير:
صيانة فورية للطرق والمعديات في القرى.
توفير وسائل نقل آمنة ومنظمة للعمال والطلاب.
إطلاق حملة طوارئ لحماية العمالة اليومية.

2.⁠ ⁠على المدى المتوسط:
إعادة توجيه الميزانيات نحو الصحة والنقل والتعليم.
تأسيس صندوق تأمين اجتماعي للعمالة غير المنتظمة.
إدماج النقل الريفي في التخطيط الوطني الشامل.

3.⁠ ⁠على المدى الطويل:
إعادة هيكلة أولويات الدولة الاقتصادية بما يخدم الفقراء.
إصلاح شامل للنظام الإداري يضمن العدالة والكفاءة.
تعزيز الشفافية والمحاسبة في تنفيذ المشروعات العامة.

الخلاصة؛ الحقيقة المؤلمة أن مصر لا تعاني من فقر الموارد بقدر ما تعاني من فقر الإدارة والعدل.
لن تنهض مصر بكباري لا تعبر فوق قلوب الفقراء، ولا بعواصم لا يدخلها البسطاء.
الكرامة لا تتجزأ، والعدالة لا تُبنى على جثث البنات العاملات.
هذه دعوة لكل المصرين للإنقاذ قبل أن يموت الأمل كما ماتت الأرواح.
رحم الله فتيات المنوفية الحرائر وأنقذ الله شعب مصر من الفقر والاستبداد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى