
كلنا نتذكر السفينة “سالم إكسبريس”، التي غرقت في ديسمبر عام 1991، وحصدت معها أرواح ما يزيد عن 470 مصريًا، أغلبهم من العائدين من العمرة. كانت الكارثة صادمة، ليست فقط لهولها، بل لأنها كشفت كيف يمكن للإهمال والفساد أن يتحول إلى قاتل جماعي.
- منذ ذلك اليوم وحتى الآن، لم تتوقف الحوادث. المصريون يموتون في البر كما ماتوا في البحر.
- حوادث القطارات، حوادث الطرق، انهيارات الجسور، ومآسي النقل البحري والجوي، كلها تتكرر بنفس الأسباب: الإهمال، غياب الرقابة، وانعدام المحاسبة
- • أكثر من 7,000 مصري يلقون حتفهم سنويًا في حوادث الطرق، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
- • مصر تحتل المرتبة الأولى في عدد وفيات الطرق في الشرق الأوسط، وفق تقارير منظمة الصحة العالمية.
- • تكلفة حوادث الطرق في مصر تتجاوز 30 مليار جنيه سنويًا، وفقًا لتقديرات وزارة التخطيط.
ومع ذلك، لم نسمع يومًا عن وزير تمت محاسبته أو عزله عقب كارثة، وكأن دماء المصريين بلا ثمن.
واليوم، نحن أمام مأساة جديدة تهز الضمير:
حادث طريق “المنوفية – الباجور”، والذي راح ضحيته 19فتاة من فتيات قرية العنب، خرجن للعمل من أجل لقمة العيش، فعدن جثثًا هامدة.
الطريق الذي شهد الحادث كلّف الدولة أكثر من مليار جنيه لتطويره، بحسب تصريحات سابقة لوزير النقل . فأين ذهبت هذه الأموال؟ وكيف لطريق “مطوَّر” أن يتحول إلى مسرح مجزرة؟!
أين كانت الرقابة؟ أين كانت معايير السلامة؟ ومن الذي وقع على استلام طريق لم تتوافر فيه أبسط شروط الأمان؟
المسؤولية لا تقع فقط على سائق أو مركبة، بل تبدأ من أعلى إلى أصغر مسؤول تنفيذي.
نعم، يجب أن يُحاسب رئيس الوزراء، ووزير النقل، ومحافظ المنوفية، ورئيس هيئة الطرق والكباري، وكل من كان له يد في هذا الطريق أو وافق على استلامه.
لو كانت لدينا دولة تحترم حياة مواطنيها،
لو كان لدينا برلمان حقيقي يمارس دوره الرقابي لا التشريعي فقط،
لكان كل مسؤول عن هذه الدماء خلف القضبان.
أما الآن، فنحن أمام تكرار معتاد: بيان تعزية، لجنة تقصي حقائق لا ترى شيئًا، وموتى جدد في حادث قادم.
إن أرواح فتيات العنب لن تكون آخر الضحايا،
إن لم يُحاكم مسؤول، ويُعزل وزير، ويُراجع كل قرش صُرف على الطرق المصرية،
فسيظل المصري يخوض معركة الحياة والموت على الأسفلت كل صباح