19 طفل يودعون الحياة فوق الأسفلت .. مأساة دموية تهز قلب المنوفية

في لحظة واحدة، تحولت أحلام صغيرة إلى أشلاء متناثرة على الأسفلت، وتحول طريق العودة إلى مقصلة صامتة، خطفت أرواح 19 إنسانًا، أغلبهم أطفال، لم يكن لهم من الدنيا سوى قوت يومهم وبعض الأمل.
الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية شهد واحدة من أبشع الكوارث الإنسانية التي لن تُنسى بسهولة. سيارة ميكروباص كانت تقل عددًا من الأطفال العاملين بالمزارع — أيادي صغيرة أنهكها العمل منذ الفجر، خرجوا ليكسبوا لقمة عيشهم — وقبل أن تصل أقدامهم المتعبة إلى عتبة البيت، اصطدمت آمالهم بشاحنة نقل ثقيل، لتنهي الرحلة وتبدأ مأساة لا تحتملها القلوب.
19 ضحية، أغلبهم صغار السن، لفظوا أنفاسهم الأخيرة فوق رصيف الطريق، ووسط دموع العابرين وصراخ الناجين، عانق الحديد اللحم، وامتزج الغبار برائحة الموت. بعضهم تُوفي في الحال، وبعضهم لفظ أنفاسه وهو يتشبث بالحياة، يبحث بعينيه عن أمه أو أبيه، ولم يجد سوى السماء.
النيابة العامة فتحت تحقيقًا عاجلًا وموسعًا لكشف كواليس هذه المأساة التي خيّمت بظلالها على المحافظة كلها. وقررت ندب خبراء الأدلة الجنائية لفحص موقع الحادث بدقة، لتحديد إن كان هناك شبهة جنائية أو إهمال تسبب في هذه الفاجعة. كما كلفت المعمل الجنائي بإعداد تقرير مفصل عن التصادم وآثاره.
كما أمرت النيابة بـتحريات المباحث وسرعة تفريغ كاميرات المراقبة بالمنطقة، وسؤال شهود العيان والمصابين الناجين، الذين لا يزال بعضهم يرقد في المستشفيات، يصارعون الألم والذهول. وطلبت تقارير الطب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة، والتقارير الطبية للمصابين الذين يعانون من إصابات بالغة، بعضها قد يُبقي أثره مدى الحياة.
الأهالي في حالة صدمة. الأمهات يصرخن على عتبات المستشفيات، والآباء يحملون صورًا باهتة لأبنائهم يسألون عنها الأطباء في يأس. إنها فاجعة مزدوجة؛ لم تُزهق أرواحًا بريئة فحسب، بل كشفت عن واقع مؤلم لطفولة تُدفن كل يوم في صمت، تحت بند “العمل المبكر” والفقر.
الحادث لم يكن مجرد تصادم، بل جرح غائر في قلب مجتمع بأكمله، يحتاج إلى أكثر من مجرد تحقيق، يحتاج إلى إنصاف لمن رحلوا، وإعادة نظر في واقع قاسٍ لا يرحم الضعفاء.
من الذي قتلهم؟ هل هو السائق؟ أم الطريق؟ أم المجتمع الذي سمح لأطفال بالحمل فوق أعمارهم؟
الأسئلة ثقيلة… والإجابات مؤجلة. لكن الحقيقة المؤلمة تبقى أن 14 روحًا خرجت في الصباح بحثًا عن الحياة، فعادت جثثًا في أكياس سوداء.