تحول كبير في خطاب إسرائيل: أولوية الإفراج عن المحتجزين تسبق هزيمة حماس

أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن تحرير المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة أصبح أولوية حكومته، متقدماً بذلك على هدف “القضاء على حماس” الذي هيمن على الأجندة الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب على القطاع في السابع من أكتوبر 2023. ويأتي هذا التحول في ظل تصاعد الضغوط الأميركية ومطالبات داخلية متزايدة بضرورة إتمام صفقة لإعادة المحتجزين.
خلال زيارة لنتنياهو مساء الأحد إلى منشأة تابعة لجهاز الأمن العام “الشاباك” في جنوب إسرائيل، صرّح قائلاً: “أريد أن أزفّ إليكم أن العديد من الفرص قد فُتحت الآن، أولها تحرير الرهائن.. بالطبع علينا أيضاً حسم مسألة غزة والقضاء على حماس، لكنني أقدّر أننا سننجز المهمتين”. اللافت أن نتنياهو استخدم مصطلح “إنقاذ” بديلاً عن “إطلاق سراح”، وتجنب ذكر “صفقة”، في خطوة فسّرها الإعلام الإسرائيلي كمحاولة لتفادي الإيحاء بإبرام اتفاق مع حماس.
جاءت تصريحات نتنياهو بالتزامن مع دعوة مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب على منصته “تروث سوشيال”، دعا فيها إلى “إبرام الصفقة في غزة وإعادة الرهائن فوراً”، معبّراً عن تفاؤله بقرب التوصل إلى وقف إطلاق نار خلال أسبوع، إلا أن مسؤولين إسرائيليين وصفوا تصريحات ترمب بأنها “رغبة شخصية أكثر من كونها تقييماً واقعياً للوضع”، مؤكدين عدم وجود اختراق فعلي في المفاوضات مع حماس حتى الآن.
وفي تل أبيب، شهدت البلاد مظاهرات ضاغطة تطالب نتنياهو بالعمل سريعاً لإبرام صفقة تبادل مع حماس، في ظل تمسك المنتدى الرسمي لعائلات الرهائن بضرورة “إطلاق سراح” وليس مجرد “إنقاذ” المحتجزين، مُشدداً على أن الاتفاق الشامل وإنهاء القتال يمثلان السبيل الوحيد لإنهاء معاناة العائلات.
ورغم الزخم السياسي والتحركات الدبلوماسية التي تقودها قطر ومصر، بدعم من المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، إلا أن المفاوضات ما زالت تراوح مكانها عند قنوات اتصال غير مباشرة، إذ لا تزال حماس تصر على إنهاء الحرب كشرط لأي صفقة، فيما ترفض إسرائيل القبول بوقف دائم لإطلاق النار أو الإفراج عن جميع المحتجزين دفعة واحدة في ظل بقاء حركة حماس بأي شكل في غزة.
ويتمحور المقترح الحالي حول مبادرة من مرحلتين، تبدأ بإطلاق سراح 10 محتجزين أحياء و15 جثماناً مقابل هدنة مؤقتة تمتد 60 يوماً، تليها مرحلة ثانية تشمل دفعة إفراج مماثلة. ويواجه المقترح عقبات متعلقة برفض إسرائيل لبعض مطالب حماس، خاصة إنهاء الحرب بشكل دائم ونظام توزيع المساعدات الإنسانية.
وفي السياق ذاته، تناقلت مصادر إعلامية وجود ضغوط أميركية مكثفة على إسرائيل، دفعت نتنياهو إلى تفضيل إرسال ديرمر إلى واشنطن لمزيد من التنسيق الأميركي الإسرائيلي قبل استئناف المفاوضات غير المباشرة في القاهرة، فيما اقترح وسطاء جمع الوفود في الدوحة أو القاهرة لإجراء مفاوضات غير مباشرة بطريقة “غرفة إلى غرفة”.
من ناحيته، أكد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن العمليات البرية الكبرى في غزة اقتربت من الاستنفاد، وأنه لم تعد هناك أهداف جوهرية قابلة للتحقيق دون تعريض حياة المحتجزين للخطر، في إشارة واضحة إلى تقاطع الأهداف العسكرية مع الضغوط الإنسانية والسياسية.
ويعتقد محللون أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة، في ظل نافذة فرص محدودة لإنجاز اتفاق، مع احتمال توجه نتنياهو إلى واشنطن في زيارة قد تكون مصيرية لمستقبل الحرب في قطاع غزة، لاسيما مع تراجع الدعم الشعبي لمواصلة العمليات وتصاعد الدعوات الداخلية والدولية لوقف الأعمال القتالية.
وفي تعقيب على التطورات، قال أحد ممثلي “منتدى عائلات الرهائن”: “إن الأمل الحقيقي يكمن في إطلاق سراح جميع المحتجزين عبر اتفاق شامل ينهي القتال ولا يهدد أرواحهم، وليس من خلال عمليات قد تنتهي بمأساة”.
من جانبه، قال محلل سياسي بارز: “تحوّل الخطاب الإسرائيلي يعكس إدراكاً متزايداً للضغوط المحلية والدولية الرامية لإنهاء هذا الصراع الطويل، ويشير إلى مرحلة سياسية جديدة قد تحمل تداعيات حاسمة على المنطقة بأسرها”.