
حرب إبادة بالجوع ودماء الأطفال.
في زمنٍ تملؤه الدعاوى الكاذبة عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وتُرفع الشعارات الكبرى للعدالة والسلام، يظل العالم شاهدًا على واحدة من أبشع جرائم العصر الحديث، جريمة قتل ممنهجة بحق شعب أعزل، يتم حرمانه من أبسط حقوقه في الحياة والكرامة. إنّ منع المساعدات الإنسانية، والحصار الذي يخنق غزة، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ الذين يحاولون فقط الوصول إلى لقمة العيش، هو استهزاء صارخ بكل القوانين الدولية والمواثيق الحقوقية التي أُقرّت لتكفل حماية المدنيين.
“جرائم ممنهجة تنتهك كل القوانين الدولية”
إنّ ما يحدث في غزة هو انتهاك صارخ لكل الأعراف الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تحمي المدنيين في زمن الحرب، والقانون الدولي الإنساني الذي يمنع استهداف الأبرياء. لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير حصار شعبي كامل، وقطع المساعدات الطبية والغذائية، وقتل المدنيين، بحجة الأمن أو أي ذرائع أخرى. هذه الأفعال تُعد جرائم حرب يجب أن يُحاسب عليها مرتكبوها في المحاكم الدولية.
والغريب والمأساوي أن العالم لا يزال يقف متفرجًا، بل ومشاركًا صامتًا أو داعمًا بشكل مباشر أو غير مباشر لهذا العدوان. فمَن الذي يسمح بمنع المساعدات الطبية والغذائية عن ملايين من الناس؟ ومن الذي يغض الطرف عن مذبحة أطفال ونساء عاجزين؟ وكيف لهذا الصمت أن يستمر وسط عولمة الإعلام وشبكة الإنترنت التي لا تخلو من صور وفيديوهات تؤكد بشاعة الجريمة؟
“صورة حية من العصور الوسطى تجدد فصولها”
هذه المشاهد تعيدنا إلى فصول سوداء من التاريخ البشري، حيث عاشت أوروبا والعالم الإسلامي حقبًا من الحروب الصليبية التي نزفت فيها دماء بلا رحمة تحت شعار الدين والصليب، حرب صليبية قتلت وحطمت وأرهبت بلا تمييز بين طفل وشيخ. واليوم، يعود هذا المشهد ليجسد نفسه على أرض فلسطين، بصبغة حديثة، لكن بقلب لا يعرف الرحمة ولا الإنسانية.
حروب صليبية جديدة تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي، مدعومة بالغرب وأمريكا، تحمل معها نفس الحقد والكراهية، وتستخدم نفس الأدوات من حصار وقتل وتجويع، في محاولة لإرهاب شعب مقاوم لا يملك إلا إيمانه وصبره على مواجهة الظلم.
“الصمود الفلسطيني.. رسالة أمل وإيمان لا تنكسر”
إنّ صمود الفلسطينيين، رغم كل الألم والمعاناة، هو شهادة حية على أن روح الأمة الإسلامية لم تُهزم، وأنها لا تزال تحمل في طياتها مشعل النضال والتحدي. هذا الصمود لا يضرّه خيانة الأنظمة العربية أو صمت الشعوب المقهورة التي تعاني من ظلم حكامها، ولا حتى محاولات الغرب وأمريكا في إخضاع إرادة هذا الشعب. إن هذا الصمود هو وعد رباني بأن الحق لا يموت، وأن الله مع الصابرين والمجاهدين.
إنّ الله سبحانه وتعالى لا يغفل عن دماء الأطفال الذين يسقطون في كل لحظة، ولا عن صرخات الأمهات الثكالى، ولا عن آهات الشيوخ الذين فقدوا أعزّاءهم. فسنن الله في النصرة والعدل الكوني لا تخطئ، ولن يسمح لهذه المجازر أن تمر دون حساب.
“دور الأنظمة العربية: خيانة وظلم يضاف إلى الجراح”
ما يزيد الطين بلّة هو موقف الأنظمة العربية التي لم تحرك ساكنًا، أو كانت جزءًا من اللعبة السياسية التي تسمح بإراقة الدماء دون رادع. هذه الأنظمة التي لا تمثل شعوبها، والتي تتحالف مع أعداء الأمة بدلاً من نصرتها، تحمل وزرًا ثقيلًا في هذه المأساة، وهي التي تركت أهل فلسطين في مهب الريح، يعانون وحدهم من عدوان لا مثيل له.
الصمت عن هذه الجرائم لا يبرر، بل يعمق الانقسام ويزيد من حدة الألم، ولا بد من موقف عربي وإسلامي موحد، يتجاوز المصالح الضيقة، ويعمل على تحرير فلسطين وحماية أهلها.
“العالم الغربي وأمريكا.. شريك في الجريمة”
من جهة أخرى، لا يمكن إنكار الدور الخطير الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التي توفر الغطاء السياسي والدعم العسكري للكيان الصهيوني. هذا الدعم لا يتوقف عند الحدود، بل يطال السياسات الدولية التي تعطل أي محاولة للسلام أو تقديم المساعدات الإنسانية، ويمنع محاسبة الاحتلال على جرائمه.
“نداء للأمة والضمير الإنساني.. معركة كسر الحصار مستمرة”
في الختام، لا بد من توجيه نداء صريح لكل حر في هذا العالم:
آن أوانُ التحرّك الجاد لكسر هذا الحصار الظالم، بعدما أثبتت قوافل الأحرار، برًّا وبحرًا، أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن التضامن الإنساني الحقيقي قادر على فضح الاحتلال وكسر جدرانه المصنوعة من الحقد والجريمة.
لقد نجحت حملات كسر الحصار نجاحًا باهرًا، سواء تلك التي تحركت من البحر أو المسيرات البرية التي قطعت آلاف الكيلومترات، وجعلت من غزة قضية إنسانية عالمية. ولذلك، فإن الواجب اليوم يفرض علينا أن نكثف هذه الحملات، وأن نستمر في توسيعها وتنويع أشكالها، سواء كانت حملات مهنية، أو إغاثية، أو طبية، أو إعلامية، أو قانونية، أو حتى علمائية الطابع، طالما كانت تهدف إلى إسناد الشعب الفلسطيني في وجه هذا العدوان.
إنّ زيادة أعداد المتطوعين، وتفعيل طاقات الأمة والإنسانية الحرة، هي السبيل لفضح الاحتلال، ودعم الصامدين، وتحرير الأرض والمقدسات. والنصر – بإذن الله – حليف المؤمنين الثابتين، والله يبشر عباده الصادقين، ويأمرهم: “ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون”.
فلتكن هذه اللحظة لحظة وعي ونهوض وعمل، لحظة تكتب فيها الأمة وأحرار العالم صفحة جديدة من الكرامة والحرية، لا تتوقف عند حدود غزة، بل تمتد لتحرير القدس وفلسطين كلها.. ومن بعدها إن شاء الله، تحرير الإنسان من كل ظلم واستعباد.