ميدل إيست آي: خبراء وأكاديميون في لندن: الإعلام الغربي يبرر الإبادة في غزة ويفشل في قول الحقيقة

خلال جلسة نقاشية استضافها المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين في لندن مؤخراً، اتهم خبراء في مجالات الإعلام وحقوق الإنسان وسائل الإعلام الغربية الرئيسية بالمساهمة في إنكار وتشويه الفظائع الإسرائيلية في غزة، مثيرين تساؤلات حول غياب المساءلة الدولية لما تقوم به إسرائيل.
من جانبه، قدم مركز مراقبة وسائل الإعلام (CFMM) نتائج تسلط الضوء على عدد المرات التي تقلل فيها المؤسسات الإعلامية الرائدة أو ترفض مزاعم حصول إبادة جماعية، حيث أوضح فيصل حنيف، المحلل الإعلامي في CFMM، بأن بي بي سي مثلاً قامت بمنع الإشارة إلى الإبادة الجماعية في تغطياتها لغزة أكثر من 100 مرة خلال العام الماضي.
في تعليقه خلال الجلسة، وصف الأستاذ المشارك في الإعلام والاتصالات في كلية لندن للاقتصاد، عمر الغزي، هذا الاتجاه بأنه “حرب على التاريخ”، محذراً من أن استخدام الروايات الإعلامية كمصادر تاريخية مستقبلية يمكن أن يشكل الكيفية التي تفهم فيها الأجيال القادمة الأحداث في غزة.
أشار حنيف أيضاً إلى وجود أنماط لغوية محددة في التغطية، مثل مصطلح “مذبحة” الذي ظهر 18 مرة أكثر عند الإشارة إلى هجمات حماس مقارنة بالهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين، معتبراً أن هذا الخلل يعكس انحيازاً خطابياً أوسع نطاقاً وقبولاً غير نقدي لادعاءات الحكومة الإسرائيلية، خاصة تلك التي تستهدف الصحفيين المحليين في غزة.
“لقد بدأت وسائل الإعلام في التحول لكنها لا تزال متخلفة عن الواقع، فحتى عندما تعترف الحكومات ووسائل الإعلام بحدوث إبادة جماعية في غزة، فإنها لا تتحرك لوقفها” – البروفيسور مارتن شو- باحث في الحرب والإبادة الجماعية
بدورها، أشارت الصحفية البريطانية الإسرائيلية، راشيل شابي، إلى أن إسرائيل دأبت على صياغة الحظر الذي تفرضه على المراسلين الدوليين من دخول غزة كإجراء أمني، بينما اتهمت الصحفيين الفلسطينيين بوجود صلة لهم بحماس، وانتقدت وسائل الإعلام الدولية لقبولها هذه الروايات كما هي.
قالت شابي: “إنهم يقعون في الفخ دون أن يعلنوا ذلك”، موضحة بأنه عندما يتم تضمين الأصوات الفلسطينية، فإن معاناتهم غالباً ما يتم التشكيك في مصداقيتها أو التشكيك فيها، حيث قالت: “لم تقم وسائل الإعلام باستبعاد الأصوات الفلسطينية التي يتم نقلها من خلال تقارير الصحفيين المحليين فحسب، بل قامت فعلياً بتقديم الضحايا الفلسطينيين “للمحاكمة” وتصويرهم على أنهم رواة غير موثوقين لقصصهم ومعاناتهم”.
“عصر مظلم جديد”
أما المؤرخ آفي شلايم، فقد وصف الإستراتيجية الإعلامية الإسرائيلية بأنها حملة دعائية عدوانية تهدف إلى قمع الانتقادات من خلال وصف المعارضين بأنهم معادون للسامية.
وقد أوضح الباحث البارز في شؤون الحرب والإبادة الجماعية، البروفيسور مارتن شو، بأن مثل هذه التكتيكات ترقى إلى شكل ثالث من أشكال إنكار الإبادة الجماعية وهو “الإنكار الضمني”، حيث تعترف الجهات الفاعلة بالفظائع ولكنها لا تتخذ أي إجراء ذي معنى، فقال: “لقد بدأت وسائل الإعلام في التحول لكنها لا تزال متخلفة عن الواقع، فحتى عندما تعترف الحكومات ووسائل الإعلام بحدوث إبادة جماعية في غزة، فإنها لا تتحرك لوقفها”.
وأضاف شو بأن عصر الأدوات الخطابية مثل “مسؤولية الحماية” و”التدخل الإنساني” قد انتهى وأن “الأقوياء يفعلون ما يريدون دون تحفظ أو غطاء”.
ويتفق الغزي مع هذا الرأي حين أشار خلال الجلسة إلى أن الغرب يواصل السيطرة على اللغة والسردية التاريخية، منصباً نفسه “الحكم الأخلاقي” الوحيد!
من جانبه، ربط رئيس منتدى الشرق والمدير العام السابق لقناة الجزيرة، وضاح خنفر، تواطؤ وسائل الإعلام بالطموحات الجيوسياسية الأوسع، مشيراً إلى أن الغرب لا يزال مصمماً على هندسة “شرق أوسط جديد” وتهميش الأصوات العربية في تشكيل مستقبل المنطقة، وهنا خص بالذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واصفاً إياه بأنه “متعجرف” لاعتقاده بأنه قادر على تصميم هذا المستقبل بمفرده.
تم تسليط الضوء في الجلسة أيضاً على أن إفلات إسرائيل من العقاب باعتباره سبباً في زيادة زعزعة استقرار المنطقة، وقد حذر خنفر من أن الحرب المستمرة قد تغرق العالم في “عصر مظلم جديد”، مستشهداً بالضربات الإسرائيلية على إيران كمثال على تصاعد المخاطر، قائلاً بأنها تدفع الشرق الأوسط إما نحو منطقة خالية من الأسلحة النووية أو الردع النووي.
وعلى صعيد آخر، شكك مفاوض السلام الإسرائيلي السابق، دانييل ليفي، في جدوى استراتيجية إسرائيل طويلة المدى، مشيراً إلى أنها ربما تدفع البلاد نحو الانهيار، متسائلاً باستنكار: “هل نحن أمام المملكة اليهودية الثالثة؟”.
وحذر المتحدثون في الجلسة من أن تصرفات إسرائيل لابد أن تؤدي إلى تآكل أسس النظام القانوني الدولي، حيث أوضح مدير المركز الدولي للعدالة والتنمية، طيب علي، بأن الأطر القانونية الدولية لا تزال “ممتازة من الناحية النظرية ولكنها تطبق بشكل انتقائي في الممارسة العملية، وهذه الانتقائية تعزز اعتقاد إسرائيل بأن حقوقها ستتم حمايتها حتى في مواجهة الانتهاكات التي تستهدف الفلسطينيين”.
من جانبه، انتقد ليفي رواية الدفاع الغربية التي تفترض أن السلام سيأتي بعد القضاء على إيران، ووصفها بأنها معيبة من الناحية القانونية وساذجة من الناحية الاستراتيجية، مؤكداً على أن الضربات الإسرائيلية على إيران هي التي انتهكت القانون الدولي بموجب مبدأ الدفاع عن النفس.
وأضاف ليفي بأن الشكوك العامة المتزايدة داخل إسرائيل تظهر أن التبريرات الرسمية للعمليات العسكرية أصبحت أكثر صعوبة، خاصة مع تزايد التردد بين الإسرائيليين في الالتحاق بالخدمة العسكرية الاحتياطية، فقال: “هناك خيبة أمل أوسع نطاقاً، فالمزيد والمزيد من الإسرائيليين يرون أن هذه الحملات تقود البلاد نحو نقطة اللاعودة”.