مقالات وآراء

نادر فتوح يكتب: العمل العام نمط حياة.. شرف الخدمة لا رفاهية الظهور

في زمن يتراجع فيه الكثيرون عن خدمة الناس، خوفًا من التجريح أو التورط في المسؤولية، يظل العمل العام واحدًا من أنبل المهام وأكثرها تعقيدًا. فهو ليس امتيازًا، ولا وجاهة اجتماعية، بل مسؤولية ثقيلة تحتاج قلبًا واسعًا، ونفسًا صبورة، وضميرًا لا ينام.

العمل العام لا يُقاس بعدد الاجتماعات ولا الصور الرسمية، بل يُقاس بكمّ الأثر الذي تتركه في حياة الناس، وبمدى اقترابك من احتياجاتهم، واستماعك لهمومهم، وتحملك لصعوباتهم كأنها همومك الشخصية.

هو التزام أخلاقي قبل أن يكون تنظيميًا، ونمط حياة لا مجرد مهمة مؤقتة. وفي هذا الطريق، لا بد من امتلاك نفسٍ طويلة، وذهنٍ يقظ، وقلبٍ يحتمل التناقضات، وينحاز دائمًا لمن لا صوت لهم.

من يختار هذا الطريق عليه أن يتجرد من الأنانية. فكل مشروع خيري، وكل مبادرة مجتمعية، لا تُبنى على حب الذات أو المصلحة، بل على البذل الصادق، دون انتظار مقابل أو حتى كلمة شكر.

والقيمة الحقيقية تكمن في التفاصيل الصغيرة، في سعيك لحل أزمة فرد، أو تيسير إجراء بسيط، أو الاستماع لشخص فقد الأمل. هذه التفاصيل، مهما بدت تافهة للبعض، هي التي تصنع الأثر وتبني الثقة في نفوس أرهقها التجاهل.

المجتمع لا يحتاج إلى من يتصدرون المشهد، بل إلى من يعملون في الظل، ينجزون بصمت، ويخدمون بإخلاص.
الناس سئمت الشعارات، وتنتظر من يمد لها يدًا حقيقية لا من يلوّح لها بها من بعيد.

والجميل في هذا الطريق أن الخير لا يضيع.
ربما لا تُذكر الأسماء، ولا تُكتب الأفعال في تقارير،
لكن الله لا ينسى أثرًا زرعته في قلب مهموم، أو وقتًا منحته لمن احتاج، أو كلمة طيبة قلتها في لحظة ضعف.

إذن.. العمل العام ليس وسيلة للسيطرة، بل فرصة للبذل، وليس مسارًا للشهرة، بل امتحانًا يوميًا للضمير.

هو اختبار لإنسانيتنا، إما أن ننجح فيه ونرتقي، وإما أن نخذل من وضعوا ثقتهم فينا، فنخسر المعنى قبل أن نخسر الموقع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى