
في لحظة فارقة من التاريخ، وقف موسى عليه السلام أمام البحر، وخلفه طغيان فرعون، وأمامه لا طريق.
صرخة الخوف علت في صفوف قومه “إنا لمدركون!”
لكن اليقين سبق الماء، فجاء الرد الإلهي ﴿ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
هذا هو درس عاشوراء.. اليوم الذي تتلاقى فيه النهايات الكبرى، ويسقط فيه الظالم من عليائه إلى قاع لا قعر له.
اليوم الذي ينجو فيه المستضعفون، ويغرق فيه من ظن أنه يملك الأرض ومن عليها.
فرعون، الذي قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾
﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ﴾
ظن أنه خالد، وأن الشعب مجرد رعية عليه أن يسيرها كما يشاء..
لكن مشهد النهاية كان سريعًا، خاطفًا، ومُذلًّا.
في لحظة الغرور.. انطبقت عليه المياه، ليصبح الطاغية مجرد جثة ملقاة على الشاطئ، عبرةً لمن يعتبر.
ومنذ ذلك اليوم، صار عاشوراء رمزًا لنهاية الجبروت، وبداية الحرية، ووعدًا دائمًا بأن الدم لا يُهدر، والحق لا يموت، والظلم لا يدوم.
كربلاء.. الوجه الآخر لعاشوراء
وفي التاريخ نفسه، وعلى الأرض نفسها، تجدد المعنى مرة أخرى..
عندما خرج الحسين بن علي، حفيد النبي ﷺ، في وجه طغيان آخر، وقال كلمته الخالدة:
“إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا.. ولكن خرجت لطلب الإصلاح.”
فحُوصر، وقُتل، وسال دمه على رمال كربلاء، ليؤكد أن عاشوراء ليس فقط يوم نجاة.. بل أيضًا يوم شهادة.
يوم يُذكرنا بأن الحرية لا تُمنح.. بل تُنتزع، وأن طريق العدل مفروش بالتضحية.
﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ﴾ ﴿ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴾
من التاريخ إلى الواقع.. عاشوراء الربيع العربي
مرت قرون طويلة على مشهد البحر، وكربلاء، ودماء الأحرار..
لكن رياح الربيع العربي أعادت كتابة عاشوراء من جديد، بصوت الشعوب هذه المرة.
من تونس إلى مصر، ومن ليبيا إلى اليمن وسوريا، خرجت الجماهير تهتف في وجه الفراعنة الجدد:
“ارحل!”
ففي تونس.. سقط زين العابدين بن علي في 28 يومًا، وهرب من وطنٍ كان يظن أنه امتلكه.
وفي مصر.. حسني مبارك، بسط نفوذه ثلاثين عامًا، لكنه لم يصمد أمام زئير الميادين.
وفي ليبيا.. معمر القذافي، الذي ملأ الدنيا خطبًا ووعيدًا، انتهى في أنبوب صرف، يضربه الشعب بالأحذية.
أما اليوم.. علي عبد الله صالح، راوغ وتحالف، لكنه عاد ليلقى مصرعه على يد من سلّحهم.
الرسالة كانت واضحة:
“كل من علا.. سيسقط، وكل من استكبر.. سيندحر، وكل طاغية له بحرٌ سينغلق عليه!”
بشار الأسد.. آخر الأصنام
بشار الأسد.. رجل ورث نظامًا بني على الدم، وأصر أن يُكمل المهمة حتى آخر قطرة.
دمّر سوريا، هجّر شعبها، استعان بالروس والإيرانيين والميليشيات، وقصف الأطفال بالكيماوي، وقتل مئات الآلاف.
ظن أنه انتصر..
ظن أن الأرض دانت له، وأن الثورة دفنت.
لكن ما لا يعرفه بشار، وما لا يعرفه كل من سار في طريقه، أن التاريخ لا يرحم.. وأن الشعوب لا تموت.
وبعد 14 سنة من الألم.. رحل بشار الأسد هارباً إلى موسكو..
سقط أخيرًا، ورفرفت رايات الثورة على أنقاض قصره، وتحررت سوريا من الطغيان..
لأن سنة الله لا تتبدل..
وكل عاشوراء تأكيد على أن “الملك لله”،
وأن “من علا فقد اقترب من السقوط”،
وأن “من ظن الخلود.. هلك.”
عاشوراء ليس ذكرى.. بل طريق
عاشوراء لا يُحيى فقط بالصيام، بل يُجدد بالوعي، والتذكير، والربط بين ما كان وما هو كائن وما سيكون.
هو ليس مجرد حدث ديني، بل موقف سياسي وأخلاقي وإنساني.. يُلزمك بالوقوف في وجه الباطل، ولو بالكلمة.
في عاشوراء..
تذكر أن الدماء التي سالت لا تُنسى.
تذكر أن الأحرار لا يُهزمون وإن خسروا معركة.
تذكر أن الله لا يُمهل الطغاة إلا ليأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
في عاشوراء..
الدم لا يضيع.
الحق لا يُدفن.
والجبابرة.. زائلون لا محالة.
📌 وإن تأخرت النهايات.. فالتاريخ لا يخطئ، والسُنن لا تُبدل.
وكل من قال يومًا “أنا ربكم الأعلى”،
سيقف حتمًا أمام البحر..
ولن يجد من ينقذه، “والتاريخ أمر مكرر!.