مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: هدنة الستين يومًا بين الضغوط الاستراتيجية وحسابات المقاومة

في ظل التصعيد المتواصل بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، يتصاعد الحديث عن مقترح “هدنة الستين يومًا”، والذي يطرح كمدخل لإنهاء معاناة المدنيين في غزة وتخفيف التوتر الإقليمي والدولي. لكن السؤال المركزي يبقى: هل يمكن لحركة حماس أن توافق على هذه الهدنة؟ وما هي العوامل التي تؤثر على قرارها؟ وما النتائج المترتبة على الموافقة أو الرفض؟

“الضغوط التي تواجه حماس”
1- الضغط الإنساني الداخلي.


قطاع غزة يعاني من أزمة إنسانية حادة تفاقمت بفعل الحرب، تشمل نقصًا حادًا في الغذاء والدواء، وانهيارًا في البنية التحتية، وتدميرًا واسعًا للمساكن والمرافق العامة.
هذا الواقع يفرض على قيادة حماس مسؤولية ملحة أمام شعبها، يجعل من هدنة قصيرة فرصة لكسر دائرة المعاناة.

2- الضغط الإقليمي والدولي.


تشكل الضغوط الدبلوماسية من قوى إقليمية مثل مصر وقطر وتركيا عاملاً مؤثرًا، إضافة إلى تحذيرات ضمنية من الإدارة الأمريكية ودول غربية، التي تسعى لوقف التصعيد.
هذه القوى تمارس ضغوطًا على حماس للقبول بوقف مؤقت للنار، بهدف إعادة ترتيب المشهد الإقليمي، وتجنب تدخل أوسع.

3- الضغط السياسي الداخلي.


تخشى حماس من تآكل دعم قواعدها الشعبية في حال استمرار الحرب دون نتائج ملموسة، خصوصًا إذا استمر النزيف البشري والمادي.
كذلك فإن الفصائل الفلسطينية الأخرى والمجتمع المدني يطالبون بإنقاذ غزة من كارثة إنسانية.

“الحسابات الاستراتيجية للمقاومة” لماذا قد توافق حماس؟


تخفيف المعاناة: التوقف المؤقت لإطلاق النار يمكن أن يتيح دخول مساعدات إنسانية حيوية، وينقذ أرواح المدنيين.
إعادة ترتيب الصفوف: الهدنة تمكّن المقاومة من إعادة تموضعها وإعادة بناء قدراتها بعد الضربات الثقيلة.
الاستفادة السياسية: هدنة مدروسة قد تساعد في كسب دعم إقليمي ودولي أكبر، مع إمكانية فتح قنوات تفاوضية مستقبلية.
احتواء التطبيع: هدنة في هذا الوقت قد تمنع انزلاق بعض الدول نحو تطبيع أوسع مع إسرائيل.

“لماذا قد ترفض؟”


خسارة أوراق تفاوضية: الهدنة دون ضمانات واضحة لتبادل الأسرى وإعادة الحقوق قد تضعف موقف حماس.
احتمالية استغلال إسرائيل: وقف النار قد يستغل لتجديد القوة العسكرية، أو لتفكيك المقاومة عبر عمليات استخباراتية.
الاحتفاظ بالزخم الميداني:استمرار المعارك قد يسمح بتحقيق مكاسب جديدة على الأرض.
المحافظة على المصداقية: القبول المبكر قد يُفسر كتنازل، مما يضعف صورة المقاومة داخليًا وخارجيًا.

“نتائج الموافقة والرفض”


الموافقة على الهدنة قد توفر فرصًا إنسانية عاجلة، وتتيح فسحة زمنية لإعادة البناء، لكنها تحمل مخاطرة فقدان أوراق قوة تفاوضية مهمة مثل الأسرى والقدرة العسكرية.
الرفض يعني استمرار المعاناة وربما تصعيد أوسع، لكنه يحتفظ بضغط المقاومة على إسرائيل ويعزز موقفها السياسي والعسكري، مع مخاطر الاستنزاف الداخلي والخارجي.

“فائدة الشعب الفلسطيني”


الخيارات أمام الشعب الفلسطيني في غزة ليست سهلة، فالموافقة على الهدنة تعني تخفيف المعاناة الإنسانية وتوفير فرصة للتنفس، لكن بثمن سياسي محتمل.
أما الرفض، فيبقي الشعب في مواجهة مباشرة مع الاحتلال، لكنه يحافظ على ما يعتبره شعب المقاومة فرصة لإنجاز سياسي عميق عبر استثمار أوراق الضغط.

“خاتمة”


قرار حماس بشأن هدنة الستين يومًا هو اختبار دقيق لموازين القوى، يجمع بين الضغوط الإنسانية والرهانات السياسية والعسكرية.
وتحقيق توازن بين هذه الأبعاد يتطلب قيادة واعية تستشرف تداعيات كل خيار، وتضع مصلحة الشعب الفلسطيني على رأس أولوياتها.
الهدنة ليست مجرد وقف إطلاق نار، بل محطة استراتيجية تتطلب حسابات دقيقة لضمان أن تكون خطوة نحو تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني لا انتكاسة لها.
وان كنت اري ان حماس هي الأقرب الي الموافقة علي الهدنة وان كانت ستفرض بعض الشروط.

يبقى أن نقول:


القرار ليس خيارًا سهلًا لحماس؛ فالمعادلة المعقدة بين المعاناة الإنسانية من جهة، وبين ضرورة الحفاظ على مكاسب النصر من جهة أخرى، تجعل من “هدنة الستين يوما” اختبارًا حقيقيًا لبراعة القيادة السياسية والعسكرية للمقاومة.


قبول أي هدنة يجب أن يكون مشروطًا ومؤقتًا ومرتبطًا بخطوات واضحة لتبادل الأسرى وتثبيت وقف العدوان.
الرفض يجب أن يترافق مع تصعيد دبلوماسي وإعلامي يشرح الأسباب، ويحشد الدعم الدولي. تعزيز وحدة الصف الداخلي لتقوية موقف المقاومة في أي خيار يتم اتخاذه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى