
الثلاثاء الماضي وضعت الهيئة الوطنية للانتخابات الجدول الزمنى لإجراء انتخابات مجلس شيوخ. وللتذكير، فإن مجلس الشيوخ الحالي، مُنشأ وفقا للتعديل الثاني لدستور 2012، وذلك عام 2019.
في النظام السياسي المصري، نشأت الغرفة الثانية لأول مرة مع وجود الاحتلال البريطاني لمصر، ضمن برلمان تمريري لا جدوى منه، وذلك بنشأة مجلس شورى القوانين والجمعية التشريعية عام 1883، لكن عقب وضع دستور 1923، تغيرت الأوضاع، وأصبح للمجلس الثاني شأنا في الحياة السياسية المصرية.
مرة أخرى، يعود المجلس بعد أقل من ثلاثة عقود من أحداث 23 يوليو 1952، وذلك عام 1980، عقب التعديل الأول لدستور 1971، وذلك باسم “الشورى”، وقد استمر ذلك حتى العام 2014، حيث ألغته تعديلات دستور 2012 الأولى، قبل أن يرجع عام 2019 ليبقى حتى اليوم باسم “الشيوخ”.
مجالس بصلاحيات متباينة في نظم سلطوية أو ديمقراطية
وعامة، يجب التذكير، بأن الغرف الثانية للبرلمانات تنشأ في النظم السياسية وفق نظام الازدواج البرلماني، وهو نظام منقول عن الولايات المتحدة الأمريكية، وتلك الأخيرة نقلته عن المملكة المتحدة. ومعظم دول العالم اليوم، والتي بها غرفتين هي دول فيدرالية، حيث يمثل المجلس الأدنى (ذو الصلاحيات الكبيرة) الشعب، والثاني الأعلى (الأقل سلطة) الولايات. لكن بغض النظر عن وجود برلمان من غرفة واحدة أو غرفتين، فلا يعني ذلك، أن تلك الدولة تسلطية أو ديمقراطية، أي أنه لا توجد علاقة بين مقرطة النظام وعدد الغرف. فمصر والولايات المتحدة بهما غرفتان، والنرويج وكوريا الشمالية بكل منهما مجلس واحد!!
غرض وجود الشيوخ الحالي خلق مواقع وإرضاء الوجهاء
لكن محدودة هي صلاحيات مجلس الشيوخ/ الشورى في مصر، ما أثر تأثيرا كبيرا على المشاركة في انتخاباته ترشيحًا واقتراعا. لكن الناظر والمدقق لصلاحيات “الشيوخ” الحالي، يجد إننا أمام صلاحيات شبه معدومة مقارنة بكل المجالس السابقة منذ العام 1923. وقد ارتبط كل ذلك بدستور 2012 المعدل عام 2019، والقوانين الأخرى، خاصة قانون(141) لسنة 2020 في شأن مجلس الشيوخ.
فعقب الدعوة إلى تعديل دستور 2012 للمرة الثانية، وكان ذلك عام 2019، كان أحد أبرز التعديلات الفرعية لذلك هو تأسيس مجلس آخر، باسم مجلس الشيوخ. وكانت م 82 من هذا الدستور في الأصل قد أقرت عام 2012 وجود برلمان من غرفتين، يمثلان معًا السلطة التشريعية، هما مجلس النواب ومجلس الشورى. ولما كان الأخير قد نشأ بموجب لجنة الـ100 التي شكلها مجلس النواب عام 2012 لوضع الدستور، وكانت تهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين، على غير رغبة معظم القوى المدنية التى كانت أقلية داخل اللجنة، وكانت لا ترغب في وجود هذا المجلس، بسبب الميراث السلبي الناتج عن عدم فاعليته في النظام السياسي، فقد كان أحد أولويات تعديل الدستور عام 2014، أي عقب أحداث 30 يونيو 2013، هو وجود برلمان من غرفة واحدة، وبالفعل كان التصويت بوجود غرفة واحدة هو الغالب داخل لجنة الـ50.
غاية القول، إن عودة المجلس الثانى عقب التعديل الدستورى عام 2019، كان بمثابة العودة لما أُقر عام 2012، لكن بشكل هزلي وكاريكاتيري. وكان هذا التعديل– وغيره من التعديلات- قد اتخذه مجلس النواب بموجب رغبات بعض مؤسسات الدولة خارج البرلمان، وكان الغرض (كما كان تعديل دستور 2014 بخلق 6 كوتات اجتماعية)، هو خلق مواقع لمن يسعون للمواقع، وخلق حصانات للوجهاء ورجال الأعمال والشخصيات العامة وقادة الرأي بعد 30 يونيو 2013، خاصة في ظل عدم وجود النية في عودة المجالس المحلية.
المادة 248 تُنشئ مجلس الشيوخ
عامة، فقد كان تأسيس مجلس الشيوخ الحالي عبر المادة 248 من الدستور، والتي نصت على أن “يختص مجلس الشيوخ بدراسة واقتراح، ما يراه كفيلاً بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي، وتوسيع مجالاته”. وهكذا، يلاحظ من الوهلة الأولى، أن الدستور الحالي لم يرد فيه أى نص أو ملمح يسمي أو ينعت مجلس الشيوخ بالغرفة الثانية، أو أنه شريك للسلطة التشريعية، على عكس المادة 24 فى كلٍ من دستوري 1923 و1930، اللتان نصتا على أن “السلطة التشريعية يتولاها الملك، بالاشتراك مع مجلسى النواب والشيوخ”، أو المادة 73 من دستور 1923 والمادة 74 من دستور 1930 واللتان نصتا على أن “يتكون البرلمان من مجلسين: مجلس الشيوخ ومجلس النواب”، والمادة 82 من دستور 2012 التي نصت على أن “تتكون السلطة التشريعية من مجلس النواب ومجلس الشورى”.
أما بشأن اختصاصات مجلس الشيوخ حاليا، فقد وردت في المادة (249) التي ذكرت “يؤخذ رأي مجلس الشيوخ فيما يلي: الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، ومشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات، تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية، ويبلغ المجلس رأيه في هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب”.
على هذا الأساس، أصبح مجلس الشيوخ مجلسًا، ينتظر مبادرات من هم خارجه للقيام بعمله، اللهم إلا في ثلاثة مجالات فقط:
الأول: هو تعديل مادة أو أكثر من الدستور، وهو أمر لا يبدو أنه يتكرر كثيرًا. ففي نصف القرن الماضي، وضع أو عُدل الدستور سبع مرات، بمعدل مرة كل سبع سنوات تقريبًا.
الثاني: مشروع الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو أمر يتكرر مرة كل سنة فقط على الأكثر.
الثالث: معاهدات الصلح والتحالف، المتصلة بحقوق السيادة، وهي أمور لم تتكرر في نصف القرن الأخير سوى ثلاث مرات.
على أنه يجب التنويه، إلى أنه إضافة لما ذُكر في المادة 253، فقد أوردت المادة 254 من الدستور سريان بعض مواد الدستور على مجلس الشيوخ، ونصت بشأن وظيفة المجلس الجديد- على سبيل الحصر- أمرين، الأول: ما جاء في المادة 132، وتنص على أنه “يجوز لعشرين عضواً من مجلس النواب على الأقل طلب مناقشة موضوع عام لاستيضاح سياسة الحكومة بشأنه”. الثاني: المادة 133، وتنص على أنه “لكل عضو من أعضاء مجلس النواب إبداء اقتراح برغبة في موضوع عام إلى رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم”.
الصلاحيات بالورقة والقلم والأرقام
في مقارنة لا تخلو من دلالة، سنقوم بسرد أبرز صلاحيات مجالس الشيوخ/ الشورى منذ العام 1923 إلى اليوم لتأكيد ما نقول: –
– في اقتراح تعديل الدستور: يقترح شيوخ ما قبل 1952 تعديل الدستور، ويتحتم موافقته على المنتج النهائي. وشورى عام 1980 لا هذا ولا ذاك. أما شورى 2007 و2012 وشيوخ 2019، فلا يقترحوا. لكن شورى2007 و2012 تجب موافقتهما على المنتج، وفي شيوخ 2019 يؤخذ رأيه فقط في المنتج.
– في اختيار رأس الدولة: لا دور لمجلسي 1980 و2019، ومجلسا عامي2007 و2012 لهما دور.
– في مناقشة ما يحال لتلك المجالس من رئيس الدولة: يُؤخذ رأي مجالس1980 و2007 و2019، ولا يوجد نص في مجالس 2012، وما قبل1952 لكون تلك المجالس يعرض عليها كافة الأمور.
– في حالة الخطر الجسيم المحدق بالدولة: لا رأي لمجلس 1980. ويؤخذ رأي رئيس المجلس في2007. ولا يوجد نص في ذلك في عامي 2012 و2019.
– إقرار الموازنة: يوافق عليها باجتماع مشترك في مجلس ما قبل 1952، ولا دور في مجلس1980 وما بعده.
– في إقرار مشروع خطة التنمية: مجرد أخذ رأي مجالس 1980 و2007 و2019.
– بشأن اقتراح القوانين: لمجلس ما قبل 1952 الحق في ذلك، ما عدى قوانين الضرائب، أما مجلس 1980، وما بعده فلا دور لهم.
– الموافقة على مشروعات القوانين: أمر حتمي قبل عام 1952، ولمجالس 1980 و2007 و2019، أخذ الرأي فيما يحال لها من رئيس الدولة. ومجلس 2012 تجب الموافقة.
– الموافقة على القوانين المكملة للدستور: يؤخذ رأيه في مجلس1980، وتجب الموافقة في مجلسا2007 و2012، ولا يؤخذ رأي مجلس 2019.
– في حال إعلان الأحكام العرفية أو العمل بقانون الطوارئ: تجب موافقة مجلس ما قبل 1952 على الأحكام العرفية، ولا يؤخذ رأي مجالس1980 و2007 و2019، في حين تجب موافقة مجلس 2012 على إعلان حالة الطوارئ.
– بشأن حل المجلس: أمر لا يجوز وفق دستور 1923، وجائز في دستور 1930، وجائز في مجالس 1980 و2007 و2019. وغير جائز في مجلس 2012.
– في شأن الرقابة على الحكومة: له حق السؤال والاستجواب دون طرح الثقة قبل 1952، وهذا الأمر ممنوع في المجالس التالية.
القائمة المطلقة تقضي على البقية الباقية
هذه هي الصلاحيات الهامشية لمجلس الشيوخ الحالي، وبالتأكيد، إذا ما أضيف لها، أن هذا المجلس ثلثه معين، وثلثه منتخب بالقائمة المطلقة، وهي تشبه التعيين تماما، لتبين إننا أمام اللا مجلس، خاصة وأنه لم ينعته الدستور بالغرفة الثانية أو البرلمان أو السلطة التشريعية.
إنفاق لا داعي له
وبذلك نكون أمام حالة من حالات سفه الإنفاق، فلا صلاحيات مكتوبة، ولا أداء ممارس، بل حصانات ورواتب، ووجاهة اجتماعية، وفواتير خدمات، ودعم شبه مطلق، وزبائنية مستفيدة، مع فتات معارضة مدجنة وممنهجة، ومحسوب حدودها في ظل موت السياسة.