فضيحة هدم مبنى العلاج المجاني في جامعة سوهاج تكشف فسادًا كبيرًا ومسؤولين متورطين

في واقعة تواصل صداه على مستوى المجتمع الأكاديمي في مصر، حيث شكلت قضية هدم مبنى العلاج المجاني في مستشفى جامعة سوهاج، والذي كان يُستخدم كمستشفى طوارئ، قضية ساخنة أثارت استياءً كبيرًا بين المواطنين والطلاب على حد سواء.
فقد تم هدم المبنى الذي يضم أقسامًا حيوية مثل الاستقبال والطوارئ، العظام، الباطنة، والأطفال، في خطوة فاجأت الجميع خاصة بعد أن تم الهدم دون وجود تراخيص رسمية.
وقد صرحت إدارة جامعة سوهاج مؤخرًا بأن قرار هدم المبنى جاء بناءً على تقرير مركز الاستشارات الهندسية بالجامعة، والذي أشار إلى تدهور شديد في حالة المبنى، بما في ذلك تساقط الغطاء الخرساني للأسقف نتيجة تآكل حديد التسليح، مما أدى إلى حدوث شروخ مائلة في الحوائط وتكسير أعمدة جراء الرطوبة.
ورغم اعتراف الجامعة بهذه المخاوف الأمنية، لا تزال الواقعة مثيرة للعديد من التساؤلات حول صحة الإجراءات القانونية المتبعة.
وتداولت الأوساط الإعلامية تفاصيل تفضح ما كان يتم داخل المبنى، حيث أفادت تقارير بأن كافة المكونات من أجهزة طبية وأثاث ومكاتب قد تم إيداعها في “مخزن الكهنة” قبل أن يتم عرضها للبيع في مزاد علني للمقاولين بأسعار بخسة، رغم أن القيمة الحقيقية لهذه المكونات قد تتجاوز ملايين الجنيهات.
والمثير للدهشة هو أن عمليات البيع تمت دون تشكيل لجان لتحديد التثمين، وهو ما يعد انتهاكًا فاضحًا للقانون.


وقد أكد مصدر موثوق داخل الجامعة أن الحصيلة من بيع هذه المكونات تم إدراجها في صندوق خاص بالجامعة، وهو ما يخالف بشكل صارخ اللوائح الحكومية، التي تنص على ضرورة إيداع الحصيلة في خزينة وزارة المالية بعد تشكيل لجان مختصة.
كما شدد المصدر ذاته على أن الجامعة كانت ملزمة بالحصول على موافقة وزارة المالية قبل الشروع في أي عمليات بيع لمكونات المبنى.
وبينما كانت تتوالى هذه المعلومات المدهشة، بدأ جهاز المحاسبات المركزي تحقيقاته بشأن مرفقات المبنى المتبقية من أجهزة وأثاث، ليكشف عن تلاعب واضح في التوقيع على المستندات الخاصة ببيع هذه المكونات.
وقد أثار التحقيق مع عميد كلية الطب، الدكتور مجدي القاضي، الذي أنكر التوقيع على أي مستندات تخص هذه العمليات، تساؤلات كبيرة حول ما إذا كان هو الشخص المسؤول عن هذا التلاعب، أم أن هناك أطرافًا أخرى في إدارة الجامعة متورطة في هذا الفساد.
كما أفاد رئيس جامعة سوهاج، الدكتور حسان النعماني، في تصريحات له بعد هدم المبنى بأن القرار تم اتخاذه بعد تقييم من اللجنة الهندسية التي أكدت تدهور الوضع الهندسي للمبنى.
ولكن، وكما يقول البعض، لا تزال هناك علامات استفهام حول ما إذا كانت الجامعة قد حاولت “إخفاء” بعض التفاصيل حول ما جرى داخل المبنى، خاصة بعد هذه الوقائع المخزية التي تزامنت مع عملية الهدم.
وتساءل مراقبون عن دوافع رئيس الجامعة في إزالة المبنى دون التنسيق مع الجهات المحلية المعنية، بما في ذلك محافظة سوهاج، والتي نفت في وقت لاحق أنها قد منحت الجامعة أي تصريح بالهدم.
كما ترددت أنباء عن قيام رئيس الجامعة بتقديم محضر لحي شرق في سوهاج، يفيد بأن الحي لم يمنح الإذن للهدم، ما يفتح المجال للمزيد من التحقيقات القانونية.
تُعد هذه الحادثة واحدة من سلسلة من المشكلات التي واجهتها جامعة سوهاج في الفترة الأخيرة، فقد استمر النقد الموجه لقيادات الجامعة حول كيفية إدارة مرافقها بشكل عام، وكان أبرزها اعتراضات عديدة على نقل مستشفى الطوارئ إلى منطقة “الكوامل” البعيدة عن وسط المدينة.
النائبة البرلمانية ألفت المزلاوي هاجمت هذا القرار واصفةً إياه بأنه “جريمة بحق المواطنين”، واعتبرت أن هذا الإجراء يعكس عجزًا في فهم احتياجات المجتمع وظروفه.
وكان من أبرز المواقف التي شجبها النواب هو نقل المستشفى إلى مكان ناءٍ، يصعب الوصول إليه في الأوقات العادية، مما يعرض حياة المرضى للخطر، خاصة في حالات الطوارئ.
وأضافت المزلاوي في تصريحاتها أن نقل المستشفى إلى مكان بعيد عن الكتل السكانية يعكس تقاعسًا من قبل الجامعة، إذ من المفترض أن تضع صحة المواطنين في المقام الأول قبل أي اعتبارات أخرى.
وعبرت عن استنكارها لما اعتبرته إهمالًا شديدًا، مستشهدةً بحادث مأساوي راح ضحيته شاب لم يتمكن من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب بعد تعرضه لحادث.
المثير في هذه القضية هو الغموض الذي يحيط بمصير أموال بيع المكونات المستعملة للمبنى، فبينما يقال إن هذه الأموال تم تحويلها إلى صندوق خاص بالجامعة، يظل السؤال مطروحًا: هل تم تحويل هذه الأموال بشكل قانوني؟ وهل حصلت الجامعة على الموافقات اللازمة قبل الشروع في هذا البيع؟ إن هذه الأسئلة وغيرها قد تكون مفتاحًا للكشف عن حجم الفساد الذي قد يكون قد ارتكب في هذه العملية.
وقد تم تشكيل لجنة من جهاز المحاسبات المركزي للتحقيق في مرفقات المبنى، وتبين أن هناك تلاعبًا في بيع الأجهزة والمعدات الطبية، في الوقت الذي كانت فيه هذه المكونات من المفترض أن تُقدر قيمتها عبر لجان مختصة من وزارة المالية.
وبينما تواصل الأجهزة الرقابية تحقيقاتها في هذه القضية المثيرة للجدل، فإن القضية تفتح الباب أمام الكثير من الأسئلة المتعلقة بإدارة المستشفيات الجامعية في مصر وكيفية اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بمرافقها.