الأردن يعيد تفعيل ملف حقوق الإنسان بعد سنوات من التجميد الرسمي الكامل

استفاقت الدولة الأردنية مؤخرًا على واحدة من أكثر الملفات حساسية وإهمالًا في آنٍ واحد، بعدما ظل منصب المنسق الحكومي لحقوق الإنسان شاغرًا لسنوات، دون تفسير مقنع، تاركًا الساحة مكشوفة، والمشهد الحقوقي بلا قيادة أو توجيه فعلي.
لم يكن أمام الدكتور خليل العبدللات، مدير وحدة حقوق الإنسان في رئاسة الوزراء، سوى حمل عبء المهمة منفردًا، وسط صلاحيات محدودة ودعم شبه معدوم، في وقت كان المطلوب فيه مواجهة تحديات داخلية وضغوطات دولية متزايدة.
أعلن رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان، في خطوة يصفها المتابعون بأنها تصحيح لمسار طال تعطله، عن تعيين المحامي معاذ المومني منسقًا حكوميًا عامًا لحقوق الإنسان، وهو قرار فتح باب الأمل في إعادة هيكلة هذا الملف المهمل. ويمثل التعيين، حسب المطلعين، إشارة إيجابية على استعداد الدولة لإعادة تنظيم علاقاتها مع المجتمع الدولي، قبيل مشاركات مرتقبة أمام آليات أممية تتطلب مواقف واضحة لا تقبل التردد أو التلكؤ.
أوضح متابعون أن المومني، بخلفيته القانونية وتجربته الطويلة في ملف الحقوق، ليس بحاجة إلى تدريب أو تأهيل ميداني، فهو ابن هذا القطاع، ويعرف تمامًا حجم ما تآكل داخليًا من التزامات الأردن الحقوقية. في تصريح يحمل دلالة عميقة، أكد المومني أنه لا يبحث عن طيران في الهواء، بل عن وقفة صلبة ومسار ثابت، وهو ما يطالب به الشارع الأردني منذ سنوات، حيث سئم الناس التصريحات البراقة، والخطط التي لا تتجاوز الورق.
لفتت تقارير حقوقية إلى أن التعطيل المتعمد لهذا الملف ساهم في تراجع علاقة الحكومة مع منظمات المجتمع المدني، التي لم تعد تُعامل كشركاء حقيقيين، بل تم تهميشها تمامًا في السنوات الخمس الأخيرة، خلافًا لما كان عليه الحال في عهد رؤساء حكومات سابقين، مثل عبدالله النسور وعمر الرزاز، الذين جعلوا من حقوق الإنسان أحد محاورهم الأساسية. اليوم، إذا أرادت الحكومة الأردنية استعادة المصداقية، فعليها إحياء مقترحات مثل آلية تنسيق “همم”، لتأسيس قواعد مؤسسية تضمن استمرارية الحوار، لا الاكتفاء بالمناسبات.
زعم محللون أن الظروف الإقليمية، خصوصًا بعد مجازر السابع من أكتوبر في غزة، دفعت الدولة الأردنية لإعادة تقييم موقعها الأخلاقي والحقوقي، بعدما ظهر حجم النفاق الغربي، وسقوط الشعارات الأممية أمام جرائم الاحتلال الإسرائيلي. هذا الانكشاف الفاضح للمعايير المزدوجة منح الأردن فرصة استثنائية لتقديم نفسه كدولة تحترم حقوق الإنسان من منطلق داخلي، لا استجابةً لابتزاز المانحين.
أشار حقوقيون إلى أن المومني إذا حصل على دعم فعلي من دوائر القرار في الدولة، فبإمكانه تحقيق نقلة نوعية، لا سيما أن الأردن، رغم كل النقد، لم يعرف في تاريخه الحديث جرائم واسعة من القتل أو الإخفاء القسري أو التعذيب الممنهج، بل ظل محتفظًا بهوامش حرية سياسية، وبعلاقة مستقرة بين الشعب والعرش، ما يجعل من تعزيز الحريات اليوم أمرًا ممكنًا، لا مجرد حلم.
استدرك مراقبون أن الوقت لا يحتمل مجاملات أو حملات علاقات عامة، فإما خطة واضحة بمواقيت دقيقة تُنفذ بلا تردد، أو سيبقى هذا الملف مجرد ديكور يُستدعى عند الحاجة، ويُهمّش عند أول أزمة.