اليوم جنح مستأنف 6 أكتوبر تنظر قضية حريق 8 أرواح بسبب حفارات وإهمال مسؤولين

تنظر محكمة جنح مستأنف 6 أكتوبر، اليوم الأربعاء، فصلاً جديدًا من مسلسل الإهمال القاتل، حيث نظرت استئنافًا تقدم به ستة متهمين في كارثة انفجار خط الغاز بطريق الواحات، وهو الانفجار الذي حوّل الأسفلت إلى جحيم، وأسفر عن مذبحة صامتة راح ضحيتها 8 مواطنين أبرياء، بينما تشوّهت أجساد 17 آخرين وسط نيران لا ترحم، والتهمت 11 مركبة كما لو كانت علب كبريت، في مشهد لا ينسى.
أوضحت وقائع التحقيق أن المتهمين لم يكتفوا بخرق القوانين بل داسوا على أرواح الناس تحت جنازير المعدات الثقيلة، حيث باشروا الحفر دون تصاريح، استخدموا آلات حفر ضخمة في منطقة شديدة الحساسية دون أدنى اعتبار لموقع أنابيب الغاز، تجاهلوا التنسيق مع شركة الغاز، وضربوا عرض الحائط بأبسط قواعد السلامة المهنية، وكأنهم في سباق مع الزمن على حساب الدم.
أكدت أوراق المحكمة أن الحكم الابتدائي الصادر من محكمة جنح أكتوبر قضى بسجن كل متهم منهم عشر سنوات، بعد ثبوت تورطهم في جرائم مركبة تتضمن القتل الخطأ، والإصابة الخطأ، والإهمال الفادح، ومخالفة الضوابط الفنية والقانونية الخاصة بأعمال الحفر قرب البنية التحتية للغاز الطبيعي، في فضيحة مكتملة الأركان، دمرت أسرًا بأكملها بسبب استهتار لا يمكن وصفه إلا بالجريمة المتعمدة.
لفتت تفاصيل جلسة الاستئناف الأنظار إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة، بين تأييد الحكم القاسي، أو تخفيفه، أو إلغائه والاتجاه إلى البراءة، وهي الاحتمالات التي تنتظرها عائلات الضحايا بين دموع لم تجفّ، وغضب شعبي عارم يتساءل: كيف يمكن أن يكون الإهمال بهذا الحجم دون أن يسبقه إنذار أو رقابة أو حتى أدنى متابعة ميدانية؟
استعرضت النيابة العامة الأدلة التي جمعتها من خلال تحقيقات دقيقة وفورية، بدأت منذ لحظة تلقي البلاغ، حيث توجه فريق فني متكامل إلى موقع الانفجار، كما جرى فحص الوضع في 8 مستشفيات شهدت نقل المصابين، وتمت الاستعانة بلجان فنية عليا من هيئة الطرق والكباري، والشركة المصرية القابضة للغاز، ومصلحة الأدلة الجنائية، لرصد كل صغيرة وكبيرة حدثت قبل وأثناء الكارثة.
كشفت التحقيقات أن المتهمين لم يجروا أي جسات يدوية، ولم يبلغوا شركة الغاز قبل البدء في الحفر، واستخدموا آليات ضخمة دون إشراف هندسي أو فني، وهو ما أدى لانفجار مدمر هزّ طريق الواحات، وأوقع فوضى مهولة خلفها قتلى ومصابون واحتراق سيارات وسط صراخ الأهالي، والكل يسأل: أين كان المسؤولون وقت التنفيذ؟ وأين كانت الرقابة؟ ومن ترك هؤلاء يعبثون بخط الغاز كما يشاؤون؟
نفت النيابة بشكل قاطع أي احتمالية لتسرب سابق، وأكدت أن الانفجار جاء كنتيجة مباشرة لارتكاب المتهمين سلسلة من التجاوزات المخزية، التي جعلت من الطريق العام مسرحًا لمذبحة غير معلنة، وتحول فيه الهواء إلى لهب قاتل، وكل ذلك كان يمكن تجنبه بتوقيع واحد على إذن حفر، أو اتصال بسيط لإخطار الجهات المختصة.
استنكرت النيابة هذه الكارثة باعتبارها جريمة إهمال جماعية لا يجب أن تمر مرور الكرام، وشددت على أنها لن تتهاون مع أي شخص ساهم من قريب أو بعيد في تسهيل هذا الحادث، أو تغاضى عن تطبيق معايير السلامة، لتبقى القضية الآن في يد القضاء، بينما تبقى دماء الضحايا شاهدًا على أن الإهمال في مصر قد يقتل دون رصاصة.
هل يكفي الحكم بالسجن لعشر سنوات لردع هؤلاء؟ أم أن الدولة بحاجة إلى قوانين رادعة وصرامة رقابية حقيقية تليق بحجم الدم الذي سال على الأسفلت؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة، لكن ما لا جدال فيه أن ما حدث في طريق الواحات جريمة مكتملة الأركان، لا يمكن أن تُختزل في وصف “حادث عرضي”.