شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: ورقة من مذكراتي. رسالة للكاب والعمامة: إطفاء الحرائق بالحرية

ما أقساه من شعور… أن تقترب من خط النهاية، وليس في جيبك سوى مسودة حلم لم يكتمل، ونُسخ من ندمٍ مؤرّق، وبعض من صدى أغنيات قديمة صدّقتها، عن وطن سيكبر … ويكبر .

كم تمنّيت أن أكون مجرّد انسان، يُؤمن بأن القيمة في العطاء، لا في الضجيج… أن أقدّم نموذجًا يُشبه الإنسان أكثر مما يُشبه القائد اوالزعيم…
رجلٌ يتقن الإصغاء قبل الإلقاء، ويجيد الاعتذار قبل الإقناع، ويمنح الآخرين حقّ الاختلاف دون أن يشهر في وجوههم سيف اليقين.

لم أطمح يومًا إلى التقديس، بل فقط، إلى التقدير… ولم أرَ نفسي إلا ساعي بريدٍ بين ما أؤمن به، وما أستطيع أن أحقّقه،
..بين المعنى ،والحقيقة، بين ما هو واجب، وما هو ممكن.

لكنني، في لحظات مكاشفتي مع ذاتي، لا أملك إلا أن أقرّ أنني احيانا خذلت نفسي والزمن…
خذلت ما أُتيح لي من عُمر، دون أن أُخرج منه ما يكفي من نور.


..كانت الخيبة أحيانًا منّي، وأحيانًا من الدنيا… ومرّاتٍ من هذا الوطن، الذي لا يكافئ أبناءه المخلصين له ،
إلا بالخذلان.

60 عاما ، حاولت أن أسبق المتعة بالفكره…
والراحة ببذل الجهد،
لكنني وقعتُ، مثل كثيرين، في شَرَك التأجيل، وفي فخ التوازن، وفي تناقضٍ قاتلٍ بين ألانسانيه.والضرورات العملية .
..كنت أُبشّر بالعقل،
وأحتكم أحيانًا إلى العاطفة،
..أُقدّس الجدية، ثم ألتمس الاعزار… أُتألم من الجرح، ولا أهرب منه.

أحزنني كثيرًا أنني لم أُكرّس وقتي بما يكفي لاكتشاف المعنى الأعمق للحياة: المعرفة.
.. ذهبت ساعاتٌ وسنواتٌ خلف المعارك، ولم أُعطِ التأملَ في أسبابها ما يستحق
..لم أُمنح التأملُ فرصته كي يشفيني من ضجيج السياسة، ويعلّمني أن أكون تلميذًا في محراب المعرفة، لا خطيبًا على منبرها.

لم أرفض أحدًا،
إلا من تعمّد أن يُقلّل من إنسانيتي… سامحت كثيرًا من أساؤوا بقصد، او بغير قصد ،ومن طعنوا بدافع المصلحة،
كان ينبغي ألا أجد في قلبي تلك الرحابة التي تغفر لمن طعن عن سبق إصرار وترصّد..

لم أتأخر يومًا عن طالب علم، او راي، او خدمه، ولم أرفض سؤالًا من باحثٍ عن حق… كنت دائمًا أرى في الآخر صورةً أفضل مني، أو مرآةً أرى فيها عيوبي. كنت وما زلت، أؤمن أن التواضع لا يُنقص من قامتي، بل يرفعني فوق منابر لا تراها العيون.

حزني الحقيقي، الذي ينهشني احيانا، بلا رحمة، هو :
أن نهاية الطريق تلوح، والديمقراطية في بلدي لا تزال خارج الطريق…
.. كلما اقتربنا منها، هربت أكثر، كأنها سرابٌ صنعته الثورة، وأطفأه الاستبداد.

أتساءل أحيانًا: هل علينا أن ننتظر عقود أخرى، كي نعيش، يومًا يُشبه ٢٥ يناير، دون أن يخطفه كاب او عمامه؟

هل سنرى وطنًا يُؤمن بأن السلطة خدمة، لا حكمًا؟
..وأن الحرية والكرامة الإنسانية
ليست رفاهية، بل ضرورة وطنية؟

أُذكّركم – لا لأنني أعلم منكم،


بل لأنني عشتُ تجارب تؤكد – أن الديمقراطية ليست صندوقًا وصوتًا، بل روحًا وفهما،ويقينا ،وسلوكًا،
.. وأنها تبدأ من تداول السلطة، لا توريثها، او تمديدها وتأبيدها…
..من حرية المعرفة لا احتكارها،
من الحق في الاختلاف، لا من قمع التنوع… من الشفافية، والصدق، والمساءلة، لا من التجميل والكتمان والتصفيق.

كل ما نحن فيه، من كوارث وحرائق ، وكل ما نخشى أن نكون فيه، لا يُعالَج إلا بالديمقراطية…


فلا إصلاح بلا حرية،
ولا حرية بلا عداله،
ولا عدالة بلا كرامة تُحترم،
وعقل يُحتكم إليه.

لن أزعم أنني كنت دوما المثال، والقدوة ،لكنني حاولت…


وإن فشلت احيانا..
فليكن فشلي درسًا لغيري، لا وصمة في وجهي…
وليكن هذا الاعتراف شهادة أُعلّقها في عنق كل من يأتي بعدي:
•⁠ ⁠لا تتركوا الحلم يتقادم،

  • ولا تسمحوا للأمل أن يُستبدل بالاعتياد.

فلعلّ في هذه الكلمات… بعض مما تمنّيت أن أفعله، وقد لا يمتد بي العمر كي أستطع فعله.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى