مقالات وآراء

د. محمد عماد صابر يكتب: مصر بين الانهيار المنظم والإفلات من الحساب!

إنها قراءة علمية في مشهد يومي مأساوي.. لم تعد الأخبار اليومية الواردة من مصر تدهش أحدًا: تصادم قطارات، انهيارات مبانٍ، حرائق متكررة، أزمات في الكهرباء والمياه، وفوضى مرورية تحصد الأرواح بالعشرات.


يتساءل كثيرون: ما الذي يحدث لمصر؟

هل هي لعنة الفساد؟ أم إنذار إلهي؟ أم خطة ممنهجة لإفراغ الدولة من مقوماتها؟ هذا المقال يحاول الإجابة بشكل علمي وموثق على هذه الأسئلة، ويحلل الواقع المصري من منظور سياسي واجتماعي واستراتيجي.

أولاً: الانهيارات اليومية.. عرض لأمراض مزمنة.


ما يحدث يوميًا في مصر من كوارث ليس حوادث فردية أو مجرد “سوء حظ”.. بل هو نتاج تراكمات ممنهجة من سوء الإدارة، وغياب الرقابة، وتسييد الفساد، وانهيار مؤسسات الدولة.. وقد أظهرت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات سابقًا حجم الفساد في المشروعات والبنية التحتية، وتم تجاهلها بالكامل.

السكك الحديدية: قطاع أهمل عمدًا منذ عقود، رغم تكرار الحوادث وارتفاع الضحايا.. لا توجد خطة تحديث جذرية حقيقية، وإنما ترقيعات إعلامية.

حوادث الطرق: مصر في المرتبة الأولى عربيًا في عدد ضحايا حوادث السير، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، نتيجة طرق متهالكة ونظام مرور عشوائي وفساد في منح التراخيص.

الحرائق والانهيارات: تفشي العشوائيات، غياب التخطيط العمراني، انهيار منظومة الدفاع المدني، وغياب الصيانة الوقائية.

ثانيًا: هل هي لعنة أم غضب إلهي؟.


تأمل في سنن الله في المجتمعات
البعض يرى في هذا الانهيار عقابًا إلهيًا للفاسدين أو إنذارًا للساكتين على الظلم.. وبينما لا نستطيع الجزم في الغيب، فإن سُنن الله في المجتمعات واضحة: “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرًا” (الإسراء: 16).


الفساد حين يستشري، والعدل حين يُرفع، والدماء حين تُراق بلا محاسبة، فإن الانهيار يصبح حتميًا.
ما يحدث في مصر ليس بعيدًا عن دعوات المظلومين، خصوصًا دعوات المعتقلين والمعذبين في السجون، وأهالي ضحايا رابعة والنهضة وأحداث المنصة وغيرها.

ثالثًا: لعنة رابعة والدماء المهدورة.


إن مذبحة رابعة كانت لحظة فاصلة في التاريخ المصري الحديث، حين تم قتل آلاف من المعتصمين السلميين تحت سمع العالم وبصره، دون محاسبة.
قال أحد قادة الانقلاب لاحقًا: “لقد ردمنا بدمائهم مستقبل الثورة”، وكأنه يعترف أن الدماء كانت سقفًا للإرهاب الرسمي المنظم.
وهنا يُطرح تساؤل مشروع: هل لا تزال لعنة هذه الدماء تطارد النظام والدولة؟ فالتاريخ يعلمنا أن الأنظمة التي تبدأ بالقمع لا تستقر أبدًا، بل تتآكل ببطء حتى تنهار من الداخل.

رابعًا: فساد إداري وانهيار اقتصادي منظم.


المشهد في مصر اليوم هو نتيجة تداخل بين الفشل والإفساد المقصود. فالجنرالات الذين يديرون البلاد منذ الانقلاب في 2013، لا يملكون أدوات دولة، بل أدوات استغلال الدولة.
تم تفريغ الاقتصاد لصالح شركات الجيش المغلقة.

  • أهدرت المليارات في مشاريع غير إنتاجية (العاصمة الإدارية، الطرق والقصور).
  • تم تدمير القطاع الزراعي، وإفقار الفلاح، وإضعاف الاكتفاء الذاتي.
  • تم القضاء على الصناعات الوطنية (الغزل والنسيج – الحديد والصلب – السيارات).
  • تم تمكين الإمارات في مفاصل الاقتصاد، لا سيما وسط البلد والموانئ.
  • ما جرى في السنترال القومي بوسط القاهرة من حريق مريب يثير تساؤلات مشروعة: هل هو عرضي؟ أم ضمن خطة تفريغ وإخلاء العاصمة لصالح استثمارات أمنية إماراتية؟.
  • هل يعقل أن يكون مركز أمني حساس بهذه الهشاشة؟ أم أن التفريغ الأمني متعمد؟.

خامسًا: الأمن القومي في مهب السمسرة.


كل ملفات الأمن القومي المصري تم التنازل عنها أو تهديدها:
سد النهضة: تنازلت مصر عن حقوقها المائية بلا مقاومة حقيقية.
سيناء: تُفرغ من أهلها، وتُدار وفق أجندات أمنية إسرائيلية.
الموانئ: أُجّرت بعقود طويلة لصالح دول وتكتلات مشبوهة.
الأرض: بيعت لصالح مشاريع لا تخدم المصريين، مثل التفريط في تيران وصنافير.
القطاع المالي: أصبح تحت هيمنة تحويلات خارجية وتحكم إماراتي وسعودي متزايد.

سادسًا: الشعب بين التبلد والخوف.


المؤسف أن جزءًا كبيرًا من الشعب المصري أصبح خاضعًا أو فاقدًا للأمل، إما بسبب:
الخوف من القمع، الذي فتك بأي صوت معارض.

  • الاستنزاف الاقتصادي الذي شلّ قدرتهم على التفكير في أي مقاومة.
  • التضليل الإعلامي الذي صنع وعيًا زائفًا حول الواقع والمستقبل.
  • التحالف مع المؤسسة الدينية الرسمية التي تبرر وتشرعن القمع والخنوع.

سابعًا: من وراء هذا الخراب؟ ومن المستفيد؟


  • في المشهد المصري، لا يمكن تجاهل الأبعاد الجيوسياسية.. فالمستفيد الأكبر من انهيار مصر هو:
    1.⁠ ⁠الكيان الصهيوني: الذي يرى في مصر الضعيفة ضمانة لأمنه القومي.
  • 2.⁠ ⁠دويلة الإمارات: التي أصبحت وكيل مشاريع إسرائيل في المنطقة.
  • 3.⁠ ⁠شركات الجيش: التي تستفيد من بقاء النظام العسكري في الحكم بأي ثمن.

خاتمة: هل من طريق للنجاة؟


  • النجاة لا تكون إلا بـ:
    عودة الشعب إلى وعيه، ورفضه أن يكون مجرد متفرج.
  • توحيد قوى التغيير على أجندة وطنية واضحة.
  • كشف الخيانة المنظمة وفضح أدواتها محليًا ودوليًا.
  • استنهاض ضمير الأمة العربية تجاه ما يحدث في مصر، لأن سقوطها هو سقوط للمنطقة بأسرها.

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (الرعد: 11)

دعاء الختام: اللهم أنقذ مصر من الخونة والظالمين، وحررها من الجهل والقمع، واكتب لشعبها كرامة العيش، وعزة الإيمان، وعدل الدولة، يا أرحم الراحمين.

الاربعاء 8-07-2025

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى