سنترال رمسيس احترق والنظام انكشف: البنية التحتية فى اختبار فاضح

أعلن مشهد الحريق الهائل الذى التهم سنترال رمسيس أمام أعين الجميع عن عُري واضح فى أعصاب البنية التحتية للاتصالات والخدمات الحيوية فى قلب القاهرة الكبرى.
لم يكن مجرد حريق فى مبنى، بل كان إنذارًا بصوت مرتفع يكشف حجم الترقيع الذى طالما تم التستر به خلف واجهات لامعة وشعارات جاهزة.
نفى البعض انهيار الاتصالات بالكامل، لكن الواقع يقول إن الحريق تسبب بارتباك شديد فى خدمات الإنترنت والاتصالات، خاصة فى القاهرة والجيزة، ما أثر مباشرة على خدمات بنكية وصحية وأمنية. تأثرت الشرائح الأكثر حساسية فى حياة المواطنين، ولم يكن بالإمكان إنكار الارتباك الذى عمّ قطاعات واسعة، وإن حاول البعض تلميعه بكلمات مطمئنة غير واقعية.
أكدت وقائع الساعات الأولى أن ما جرى كان أقرب إلى إعلان حالة طوارئ وطنية غير معلنة. ظهرت هشاشة واضحة فى التعامل مع كارثة من هذا النوع، إذ لم يكن من المفترض أن تتسبب شرارة فى مكان واحد بكل هذا الاضطراب، لو كانت هناك بدائل فعالة وخطط استجابة متماسكة ومجهزة مسبقًا.
أوضح الحريق أن سنترال رمسيس لم يكن مجرد مبنى ضمن سلسلة البنية التحتية، بل مركز عصبي يتحكم فى شرايين حيوية، وكان من المفترض أن تُوزع المهام والاستراتيجيات التقنية على نطاق جغرافى أوسع، لا أن ترتكز كلها فى نقطة واحدة كأن “البلد كلها متوصلة على فيشة واحدة”، كما سخر البعض، وهى سخرية تبدو اليوم أقرب للحقيقة منها للنكتة.
استدرك البعض حجم السخرية المتداولة على مواقع التواصل، وراحوا يبررون أن ما حدث مجرد “تأثر جزئى”، متناسين أن أى حريق كبير يصيب مركزاً حيوياً بهذا الحجم لا يمكن التعامل معه على أنه حدث عابر. الاستهانة بالنتائج ومحاولة التقليل من الأضرار هو فى حد ذاته جزء من الأزمة، لأن تجاهل العِبر يعنى تكرار الكارثة بشكل أكبر.
لفت انتباه الجميع بطء الإعلان عن الخطط البديلة، ومع أن بعض الخدمات عادت تدريجياً، إلا أن غياب شفافية فورية وتواصل مباشر مع المواطنين زاد من حالة البلبلة والذعر. المواطن المصرى لا ينتظر تفسيرات وردية، بل حقائق واضحة وضمانات بأن ما حدث لن يتكرر، لا طمأنة مرتجلة.
أشار كثيرون إلى أن تحويل الحادث لكوميديا ونكات كان محاولة للهروب من قلق حقيقى، لكن ذلك لا يعفي أحدًا من مسؤولية التساؤل: كيف تشتعل أعصاب الاتصالات فى قلب العاصمة، ولا توجد منظومة حماية تقنية أو طوارئ تعمل تلقائيًا لحماية الشبكات؟
أعلن الحدث فشلاً ذريعًا فى توزيع مراكز التحكم، وأظهر بشكل فاضح غياب تطبيق فعلى لمفاهيم الأمان المعلوماتى والتوزيع الجغرافى للخدمات الحيوية. لا ينبغى لمبنى واحد أن يحمل هذا الكم من المهام السيادية، ما لم يكن القائمون على إدارة البنية التحتية لا يدركون معنى المخاطر المركزية.
استرسل البعض فى الحديث عن تعامل الدولة السريع، لكن الحقيقة أن سرعة رجال الحماية المدنية فى إخماد الحريق لا تعفى من مسؤولية السؤال: لماذا لم تكن هناك خطة احتواء شاملة تعمل بمجرد نشوب النيران؟ ولماذا لم يشعر المواطن أن الدولة كانت خطوة واحدة أمام الحريق، وليس خلفه؟
استوجب الحريق وقفة صارمة لمراجعة هندسة الخدمات فى مصر. ليس مقبولاً أن يستمر الاعتماد على نظم مركزية بهذا الشكل، وكأن الزمن لم يتغير والتكنولوجيا لم تتطور. حريق سنترال رمسيس لم يشعل فقط الأسلاك والمعدات، بل أشعل جدلاً واسعًا حول مدى كفاءة النظام كله، من أول التخطيط حتى الاستجابة.
نبه الحدث إلى ضرورة إعادة هيكلة جذرية، وليس مجرد إصلاحات سطحية. لا يكفى تركيب أجهزة جديدة أو إعادة بناء جدران محترقة. المطلوب إعادة نظر شاملة فى طريقة التفكير، لأن ما جرى لم يكن مجرد صدفة، بل نتيجة طبيعية لتراكم إهمال سنوات طويلة.
أردف كثيرون أن تصوير الحدث على أنه “كارثة وطنية” يضر بصورة الدولة، لكن الضرر الأكبر يأتى من إنكار الواقع أو تغطيته بورق سيلوفان إعلامى. المستثمر لا يهرب من الدولة حين تعترف بالمشكلة، بل حين تنكرها. والسائح لا يخاف من الطوارئ، بل من العشوائية وسوء الإدارة.
نعيش لحظة فارقة، وعلى الجميع أن يفهم أن الإنكار لم يعد ينفع، وأن الصمت جريمة، والتغطية خطر أكبر من الحريق ذاته.