كارثة مسجد سمنود تكشف الإهمال الصارخ في صيانة دور العبادة

أطلق فضيلة الدكتور نوح العيسوي، وكيل وزارة الأوقاف بالغربية، صافرة التحرك الميداني، وتوجه بنفسه صباح اليوم إلى قلب مدينة سمنود، بعد الفاجعة التي هزت الأهالي بانهيار مأذنة مسجد سيدي سلامة أمس، تلك المأذنة التي كانت شاهدة على التاريخ وأصبحت اليوم رمادًا يحكي عن الإهمال المتراكم.
استعرض وكيل الوزارة المشهد الكارثي بعينيه، وسط حالة من الذهول، وتابع آثار السقوط المروع الذي فضح حال البنية التحتية للمساجد، دون تجميل أو مواربة، في مشهدٍ يُجسد غياب الرقابة الصارمة على الصيانة والترميم، ويطرح عشرات الأسئلة حول مصير مئات المساجد الأخرى التي قد تواجه نفس المصير في أي لحظة.
رافقه في هذه الجولة عدد من المسؤولين من جهات مختلفة، حيث حضر المهندس السيد عبد العال، رئيس مجلس ومدينة سمنود، ليعاين المشهد الذي لم يترك فيه الانهيار فرصة لأي مجال للشك بأن هناك قصورًا واضحًا ومخجلًا في أعمال المتابعة الهندسية والوقائية للمباني الدينية. كما حضر الدكتور محمد خليفة من الإدارة العامة للأزمات والكوارث، والمهندس وليد عبد الباسط ممثل هيئة الآثار بالغربية، والشيخ إسلام حسن عامر، مدير إدارة أوقاف سمنود، وجميعهم وقفوا صامتين أمام مشهدٍ لا يليق بأي جهة مسؤولة عن حماية دور العبادة.
أكدت الجولة أن الحادث لم يكن مفاجئًا بقدر ما كان متوقعًا من كثرة الشروخ والإهمال الذي لم يُلتفت إليه، في ظل صمت طويل وتجاهل مستمر لتحذيرات متكررة من المواطنين حول حال المأذنة، التي كانت تصرخ بلا صوت حتى قررت أن تسقط وتعلن الحقيقة المرة. أوضح الحضور أن المأذنة المنهارة لم تكن مدرجة ضمن خطط الترميم العاجلة، ما يزيد الطين بلة ويشير إلى تقصير جسيم.
صرح الأهالي في محيط المسجد – دون ذكر للأسماء – بأن الشكوى من تصدع المأذنة قديمة، ولفتوا الانتباه إلى أن أصوات التصدعات كانت تُسمع بوضوح في صلوات الفجر، دون أن يتحرك أحد من المسؤولين، وكأن سلامة المصلين لا تعني شيئًا.
استدرك أحد الحاضرين من المسؤولين بأن الحادثة “قيد التحقيق”، في جملة أثارت غضب المتابعين الذين تساءلوا: هل التحقيق سيعيد الأرواح لو وقعت إصابات؟ هل الانتظار كان هو الحل قبل أن تنهار المأذنة فوق رؤوس المصلين؟ كل ذلك يطرح فضيحة مكتملة الأركان عن ضعف منظومة المتابعة الهندسية داخل وزارة الأوقاف وهيئاتها الإقليمية.
أشار متابعون إلى أن ما حدث في مسجد سيدي سلامة ليس حادثًا منفردًا، بل جرس إنذار شديد اللهجة لكل من يتعامل باستهانة مع بيوت الله، ويغض الطرف عن التصدعات تحت دعاوى الروتين والميزانية والإجراءات المعقدة. واسترسل بعضهم في سرد وقائع مشابهة مسكوت عنها، مما يكشف وجود خلل مؤسسي يحتاج إلى جراحة شاملة لا مجرد زيارات بعد الكارثة.
نوه مراقبون أن الاهتمام بعد الكارثة لا يُحسب كإجراء بطولي، بل كجزء من محاولة امتصاص الغضب الشعبي، وسط تساؤلات جادة حول مسؤولية الأوقاف والهيئة الهندسية ومدى التنسيق مع جهاز التفتيش على المساجد.
أردف آخرون بأن صمت وزارة الأوقاف عن عشرات الشكاوى في ملفات مشابهة يجعل من هذه الكارثة نقطة تحول، خاصة وأن المسجد المنهار يخدم مئات المصلين يوميًا، وكان يمكن أن تكون العواقب أكثر فداحة لو وقع الحادث خلال صلاة الجمعة أو وقت الذروة.
ختامًا، تعري مأذنة سيدي سلامة المنهارة واقعًا مهترئًا ومسكوتًا عنه، وتفتح بابًا واسعًا للمحاسبة الحقيقية، بعيدًا عن التجميل والشعارات. سقوطها لم يكن حجرًا فقط، بل صرخة مدوية في وجه كل مسؤول غافل، ومشهد لا يجب أن يمر مرور الكرام.