أخبار العالم

مشاهد دموية في كينيا وسط قمع أمني مروع وغياب للمحاسبة

أشعلت قوات الأمن الكينية فتيل الغضب الشعبي مجددًا بعدما أطلقت العنان لعنف دموي راح ضحيته 31 قتيلًا في يوم واحد فقط، وسط احتجاجات اجتاحت العاصمة نيروبي و16 مقاطعة أخرى. استخدمت الشرطة الذخيرة الحية، والرصاص المطاطي، والغازات المسيلة للدموع، وخراطيم المياه، ليس لتفريق المتظاهرين بل لسحقهم تحت ستار “السيطرة على الحشود”، في مشهد يعكس انفلاتًا أمنيًا وقسوة سلطوية تجاوزت كل الخطوط الحمراء.

أكدت مصادر متابعة أن ما حدث ليس مجرد اشتباك بين قوات الأمن والمحتجين، بل مجزرة واضحة جرت على الملأ، في وضح النهار، بلا خجل ولا تردد. أعلنت اللجنة الوطنية الكينية لحقوق الإنسان أن عدد الجرحى بلغ 107 مصابًا، بالإضافة إلى حالتي إخفاء قسري واعتقال 532 شخصًا، بينما تقلل الشرطة من حجم الكارثة وتزعم سقوط 11 قتيلًا فقط، في محاولة مفضوحة لطمس الحقائق.

أوضحت جهات حقوقية أن هذه المذبحة جاءت بعد أسبوعين فقط من واقعة سابقة قُتل فيها 15 محتجًا، في 25 يونيو، ما يكشف نمطًا متكررًا من القتل المتعمد والقمع الوحشي لأي صوت معارض. شددت على أن استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين العزل لا يبرره قانون أو منطق، وأن الضحايا لم يكونوا مسلحين ولا يشكلون أي تهديد وشيك يبرر هذه الدرجة من القوة المميتة.

لفت متابعون إلى أن التبريرات الأمنية التي تسوقها السلطات الكينية لم تعد تنطلي على أحد، خصوصًا مع تصاعد حدة القمع في مناسبة يفترض أنها تذكّر بتاريخ انتفاضة 7 يوليو 1990 التي طالبت بالحريات والديمقراطية. ما حدث بالأمس في نيروبي والمدن الأخرى لم يكن إحياءً لذكرى ديمقراطية، بل دفنًا علنيًا لقيمها.

زعم المسؤولون أنهم بصدد فتح تحقيقات، لكن الأصوات المطالبة بالعدالة تعتبر هذه الوعود تكرارًا مملًا لعبارات إنشائية لا تفضي لشيء، لأن الدماء التي سُفكت بالأمس ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة إذا استمر الإفلات من العقاب، وسط غياب الشفافية واختفاء المحاسبة.

أشارت معلومات موثوقة إلى أن الشوارع تحولت لساحات حرب، وأن الأمن تعامل مع المتظاهرين كأعداء، لا كمواطنين يطالبون بحقوقهم، ما يطرح تساؤلات محرجة حول حقيقة النظام الأمني الكيني وموقفه من الحريات. بدت العاصمة نيروبي بالأمس وكأنها تحت حصار عسكري، بعد أن أغلقت قوات الأمن الطرق الرئيسية ونشرت أعدادًا ضخمة من الجنود والآليات، فبدت المدينة خاوية على عروشها، كأنها تنتظر ساعة إعلان الحداد الوطني.

استدرك مراقبون أن ما جرى لم يكن رد فعل فردي أو انفلاتًا مؤقتًا، بل تطبيقًا صارخًا لتعليمات واضحة بالتصفية الجسدية، وقمع الاحتجاجات بالعنف المفرط، مما يضع النظام الكيني في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحظر استخدام القوة المميتة إلا في حالات الضرورة القصوى لحماية الأرواح، لا لقمع حرية التعبير والتظاهر السلمي.

أردف حقوقيون أن المأساة تتكرر في كل مرة يطالب فيها المواطنون بحقوقهم، لتتحول الدولة من كيان حامٍ إلى أداة قتل صامت. وأبرز ما يثير السخط أن كل هذه الانتهاكات الجسيمة تجري دون أي محاسبة فعلية للمسؤولين، وكأن أرواح الكينيين لا قيمة لها في ميزان العدالة.

صرخ الشارع الكيني أمس بصوت واحد، لكنه قوبل بالرصاص. وبينما كان الشعب يحيي ذكرى مطالب الحرية في “يوم سابا سابا”، جاء الرد دمويًا، ليتحوّل يوم الديمقراطية إلى يوم حداد، وتُكشف الحقيقة العارية: الديمقراطية في كينيا لا تزال تحت الحصار، والحريات تُدفن حيّة في الشوارع المغلقة بالجنازير والأسلاك والأسلحة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى