19 مليار دولار استوردتها مصر من الاتحاد الأوروبي في 2024 وصفر حصيلة محلية

تجاوزت مصر في عام 2024 كل الخطوط الحمراء حين ضخت مبلغًا فاضحًا تجاوز 19 مليار دولار لصالح استيراد سلع من دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل ما بين 19.9% إلى 24% من إجمالي واردات الدولة في نفس العام، حسب بيانات المفوضية الأوروبية التي أكدت أن أوروبا صدّرت لمصر ما يعادل 19.9 مليار يورو، بينما لم تستورد منها إلا بـ12.6 مليار يورو فقط، في ميزان مختل يعكس حجم الانكشاف الاقتصادي الصادم الذي تعاني منه البلاد.
لم تكن هذه الأموال سوى استنزاف مفتوح للعملة الصعبة، في وقت دخل فيه المواطن المصري في دوامة مجاعة اقتصادية حقيقية. الأسعار ترتفع بلا توقف، الجنيه المصري فقد أكثر من نصف قيمته، والتضخم بلغ مستويات غير مسبوقة لامست 33.3% خلال 2024، وكل هذا يحدث بينما الحكومة تغرق في الاستيراد من الخارج وكأن الدولة في حالة رخاء، لا على شفا الإفلاس.
بلغت قيمة التبادل التجاري الإجمالي بين مصر والاتحاد الأوروبي في 2024 نحو 32.5 مليار يورو، وفق بيانات المفوضية الأوروبية، ولكن الكارثة أن نصيب أوروبا من هذه المعادلة أكبر بكثير، حيث صدّرت لمصر بقرابة 20 مليار يورو، بينما حصلت منها على منتجات لا تتجاوز قيمتها 12.6 مليار يورو. وهذا يعني أن مصر فتحت أبوابها لاستيراد كل شيء، بينما صادراتها لا تزال متواضعة، وطاقتها الإنتاجية مشلولة.
في سياق متصل، أبرمت الدولة خلال نفس الفترة عدة اتفاقيات إنقاذ خارجي بلغت أكثر من 35 مليار دولار من الإمارات، إلى جانب حزم تمويل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، دون أن ينعكس كل هذا على السوق المحلي. المليارات تتدفق إلى الخارج، بينما الداخل ينزف بلا توقف.
السياسات المالية التي سمحت بخروج 19 مليار دولار في عام واحد على استيراد من أوروبا تُعد انتهاكًا صارخًا لمبدأ السيادة الاقتصادية. هل من المعقول أن تُهدر هذه الأموال في وقت يعجز فيه المواطن عن شراء كيس أرز أو الحصول على دواء حيوي؟ من الذي اتخذ القرار؟ ومن الذي سمح بتحويل مصر إلى مجرد سوق استهلاكي لا ينتج، ولا يصدّر، ولا حتى يحتفظ بكرامة اقتصادية؟
الأخطر أن هذه السياسة لا تمثل مجرد خلل تجاري، بل فضيحة كاملة الأركان، تمسّ جوهر العدالة الاجتماعية وتُظهر مدى التواطؤ أو الفشل أو كلاهما في إدارة ثروات البلد. ملايين المصريين وقعوا ضحية قرار مالي جائر، حوّل الدولة إلى بوابة تحويل أرباح نحو أوروبا، بينما تزداد طوابير الفقر، وتشتد معاناة الناس في كل مدينة وقرية.
إن ضخ 19 مليار دولار في عام واحد لصالح مصانع أوروبا بينما تتساقط المصانع المصرية الواحدة تلو الأخرى، لا يمكن أن يُفهم إلا باعتباره انسحاقًا كاملاً أمام الخارج، وتدميرًا ممنهجًا للإنتاج المحلي، وتخليًا مخزيًا عن فكرة الاكتفاء أو السيادة الاقتصادية.
لا شيء يبرر هذا النزيف، ولا منطق يمكن أن يغطي على هذه الأرقام التي تفضح حجم التآكل الداخلي والارتهان للخارج. المواطن لم يشترِ بـ19 مليار دولار، المواطن جاع، والبلد باعت اقتصادها بيدها، وهي تفتح صنبور الدولارات لدول شبعانة، وتترك شعبها ينام على الطوى.