66٪ من المصريين يرفضون اعتبار البنت إنسانة لها مستقبل مستقل

تحوّلت البنت في مصر إلى كائن تُجهَّز منذ صغرها لتُسلَّم في يد رجل، وكأن الحياة كلها تدور حول تلك اللحظة، التي تُصبح فيها “زوجة”، لا أكثر ولا أقل. لا أحد يهتم بما تحمله من عقل، من موهبة، من رغبة في أن تحقق ذاتها، طالما لم تُلبِ المطلوب الاجتماعي الأوحد: الزواج، بأي ثمن.
أكثر من ثلثي الناس، بنسبة بلغت 66%، يرون أن الزواج هو الأولوية المطلقة للبنت، وليس العمل، ولا الاستقلال، ولا تحقيق الذات، بل مجرد “استقرار اجتماعي” يُخمد أي طموح. وكأن البنت لو لم تُزف في ثوب أبيض تُصبح عبئًا مرفوضًا، لا يُرى فيها إلا أنها “عانس”، حتى لو كانت ناجحة، محترفة، نابغة.
هؤلاء لا يرون في الفتاة مشروعًا لحياة كاملة، بل فقط مرحلة انتقالية من بيت أهلها إلى بيت رجل آخر. لا تعنيهم قدراتها ولا إنجازاتها، ولا يؤمنون أن لها الحق في أن تختار شكل حياتها. فقط 22% فقط هم من رأوا أن العمل أولى، وهذا بحد ذاته يُظهر أن البنت محاصرة اجتماعيًا بنظرة دونية تُختزل فيها الحياة في “لقطة فرح” ثم صمت تام بعد ذلك.
أما الـ12% الذين ترددوا بين القول إن العمل والزواج متساويان، فهذه النسبة تُظهر هشاشة الوعي، لأن المساواة الحقيقية لا يُمكن أن تبنى على تردد، ولا على محاولة ترضية الطرفين في مجتمع يضع البنت دومًا في خانة “إما أن تتزوج أو تفشل”.
الصدمة لا تتوقف عند الأرقام، بل في ما يكمن خلفها. كيف لبنت أن تحلم، وهي تسمع طوال عمرها أن النهاية الطبيعية لحياتها ليست في مكتب أو معمل أو ميدان، بل في بيت تنتظر فيه رجلًا يُقرر شكل مستقبلها؟ كيف لها أن تُخطط، وهي تُربى على أن أي طموح زائد سيجعلها “تفوّت القطر” وتصبح “غير مرغوبة”؟
هذا المجتمع لا يمنحها مساحة، بل يضغط عليها من كل اتجاه، يغرس فيها منذ نعومة أظافرها أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بشهادة أو منصب، بل بـ”دبلة في الإيد”، وكأن هذه الدبلة شهادة اعتماد اجتماعي تُحدد هل هي “بنت كويسة” أم لا.
كل شيء من حولها يؤكد هذا الحصار: في الإعلام، في التعليم، في أحاديث الأمهات، في نظرات الجيران، في الضغط الصامت داخل البيت. يُعدّ الزواج جائزة البنت النهائية، بينما يُعامل العمل على أنه مجرد “فاصل مؤقت” قبل أن يأتي “العريس”.
حين تُختصر حياة إنسانة كاملة في لحظة زفاف، فهذه ليست ثقافة، بل جريمة. وحين تتحول البنت إلى مشروع تسليم، يُعد له منذ الطفولة، دون سؤالها إن كانت تريد ذلك أصلًا، فالمجتمع كله يكون قد خانها، وخذلها، وسرق منها أحقيتها في أن تعيش بقرارها، لا بقرار غيرها.
هذه النسب ليست مجرد أرقام. هي مرآة قاسية لمجتمع يختبئ خلف العادات، بينما يُمارس قهرًا يوميًا باسم الحب، وباسم الخوف، وباسم “المصلحة”. ولكن الحقيقة المجرّدة تبقى: البنت في مصر ما زالت تُعامل كأنها لا تملك نفسها، لا مستقبلها، ولا حتى أحلامها.