حوارات وتصريحات

إبراهيم عيسي: الدولة تحولت إلى آلة جباية تُجبر المواطن على الدفع دون مقابل

كشف الفيديو الذي أدى إلى وقف برنامج إبراهيم عيسى في فضح حقيقة مؤلمة، ألا وهي صمت المصريين ليس رضاً، بل استسلاماً لواقع مُفْرِق.

أكد إبراهيم عيسي أن السياسة هي التي تصنع الاقتصاد، وأن الدولة انعزلت في قرارتها، واعتبرت نفسها الوحيدة القادرة على إدارة الشأن العام دون أي رقابة أو مساءلة.

أوضح عيسي أن سياسات الحكومة لم تكن يومًا موجهة لتحسين حياة المواطن، بل جاءت جميعها لصالح تعظيم الموارد على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

رفع الدعم الذي طال الفئات الأكثر احتياجًا، في الوقت الذي حصل فيه كبار رجال الأعمال على امتيازات ضريبية وأراضٍ شبه مجانية، هو دليل قاطع على عدم عدالة السياسات الاقتصادية السائدة.

صرّح أحد المسؤولين في صندوق النقد الدولي بسؤالٍ كان بمثابة الصدمة حين وجهه إلى خبير اقتصادي مصري، قائلاً: “كيف تبقى الحكومة مرتاحة مع هذا الوضع المتأزم؟”، وهو سؤال يعكس حالة الاستغراب العالمية من تعامل السلطات المحلية مع الأزمة الاقتصادية. كيف يُمكن لحكومة أن تتجاهل واقعاً مؤلماً يعيشه الشعب، بينما ترى نفسها في حالة من الارتياح غير المبرر؟

نوه عيسي إلى أن الضرائب في مصر لم تعد أداة تنظيمية كما ينبغي أن تكون، بل تحولت إلى سلاح يومي يُشهر في وجه كل مواطن، سواء موظف أو حرفي أو مزارع أو سائق.

لا يوجد فرق بين من يربح الملايين ومن يكسب قوت يومه، فالجميع يخضع لنفس الضغوط الضريبية بلا رحمة أو تمييز. في الوقت ذاته، لا توجد استجابة حقيقية لتحسين التعليم أو الصحة أو النقل العام، وكل ما يتم توظيفه من أموال تذهب لمشاريع لا يستفيد منها المواطن العادي.

لفت عيسي إلى أن مشروعات البنية التحتية الكبرى التي يتم الترويج لها ليلاً ونهاراً ليست سوى غطاءً لأزمة حقيقية في إدارة الموارد. تُبنى مدن جديدة بينما القديمة تنهار، ويُصرف على الأحياء الراقية بينما العشوائيات تزداد تهميشاً. لا يوجد أي شفافية في العقود ولا رؤية واضحة للمردود الاجتماعي، فقط أرقام فضفاضة وصور للرئيس يفتتح، ومسؤولين يصفقون، وإعلام يمجد. هذه المشروعات لا تقيم حياة، بل تُنتج شعوراً جماعياً بالعجز وتُحمل الناس كلفة لا علاقة لهم بها، دون أن تتيح لهم الحق حتى في السؤال.

أشار عيسي بأن التحليل السياسي يشير إلى أن الفقر في مصر لم يعد نتيجة طبيعية لشُح الموارد، بل هو فقر مُصنَع بإرادة سياسية. إنه فقر مُمنهج، يراد به أن يبقى الناس مشغولين بلقمة العيش عن التفكير، وبالنجاة عن المشاركة، وبالطاعة عن التغيير. المواطن الذي يُرهق يومياً لتأمين الطعام والدواء لا يعود قادراً على المطالبة بحقوقه ولا على الحلم بمستقبل مختلف، وهكذا تُحول الدولة الشعبة إلى كائنات مُرهقة، منزوية، خائفة، تفضل الصمت على المواجهة والخضوع على الأمل.

أكد عيسي أن الدعم الحكومي تحول من فكرة أساسية كانت تحمي الفقراء إلى أداة سياسية تُستخدم لتوزيع الولاءات بدل تحقيق العدالة الاجتماعية. لم يعد أحد من الفقراء يثق في أن الدولة تقف في صفه أو أن الحكومة تعرف حجم معاناته، فالدعم الحقيقي يبدو أنه ذهب لطبقة معينة، بينما تضيق دائرة الحماية الاجتماعية على من يحتاجها فعلاً.

استدرك عيسي أن الدولة في مصر لم تعد أداة للتنمية أو العدالة، بل صارت مشروعاً لإعادة تشكيل المجتمع بما يضمن استمرارية السلطة لا رفاهية الشعب. هذا المشروع يقوم على الإفقار لا الرفاه، وعلى التخويف لا المشاركة، وعلى تهميش العقول لا إطلاقها. المواطن لم يعد يطلب الكثير، فقط يريد أن يتنفس دون إذن، أن يعيش دون أن يهدد، أن يشعر بأن هناك دولة تحميه لا تتربص به. لكنه حتى هذه اللحظة لا يجد في سلطته سوى خصم، ولا في بلده سوى ساحة صراع للبقاء.

أفاد عيسي بأن الدراسة الإجتماعية تفيد أن هذا الواقع المرير لم يكن ليتحقق لولا وجود إعلام يُمارس دوره بمنتهى القسوة، حيث تحول الإعلام المصري إلى أدات قمع ناعمة تشوش على البديهيات وتكرس الاستسلام وتحبط كل بذرة واعية جديدة. هذا الإعلام لا يسائل ولا يحاسب، بل يروج لأكذوبة أن الغلاء طبيعي وأن التقشف قدر وأن الأزمات جزء من البناء، مع أن الجميع يعلم أن ما يُبنى فوق الجوع لا يصمد، وما يؤسس على الظلم لا يدوم.

أكد عيسي بأن خبراء اقتصاديون يؤكدون أن أكثر من 79% من ميزانية الدولة تذهب لسداد فوائد الديون المتراكمة، وهو رقم هائل يُظهر مدى الانحراف في إدارة الاقتصاد الوطني. هذا الواقع يعني أن كل جنيه يُدفع من جيب المواطن يذهب ليس لتحسين الخدمات أو دعم الطبقة العاملة، بل ليصب في نهاية المطاف في تغذية دوامة الديون التي لا تنتهي. ومع ذلك، تستمر الحكومة في رفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة، تحت مسمى الإصلاح الاقتصادي، بينما يعاني الناس من غلاء غير مسبوق في كل شيء، من الخبز إلى التعليم والرعاية الصحية وحتى تذكرة المترو.

كشف عيسي أن الدولة أصبحت مصدرًا دائمًا للقلق، وأن السياسات العامة تحولت إلى أدوات تعذيب يومي للمواطن.

الوطن اختُزل في خطاب سلطوي يغطي على جوع الناس، والمواطن لم يعد يعيش في ظل حكومة توفر له سكنًا كريمًا أو تعليمًا مجانيًا أو رعاية صحية، بل في ظل آلة جباية لا تتوقف، تمعن في استنزاف ما تبقى من طاقاته وكرامته.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى