
(5 – 7) من سلسلة: الجماعة الإسلامية المصرية… من المواجهة إلى الرؤية
تمهيد: بين الضرورة والفرصة
في لحظة تتداخل فيها الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتغيب فيها الرؤى الوطنية الجامعة، تظهر الحاجة المُلِحّة إلى مشروع وطني يُقدّم حلولًا واقعية، ويُجنّب البلاد مخاطر الانقسام أو الانهيار.
وفي هذا السياق، يُمثّل المشروع الوطني للجماعة الإسلامية رؤية إنقاذ حقيقية وتيار تجديد فكري وسياسي، قائم على التوازن بين المبادئ الإسلامية الأصيلة ومتطلبات الواقع المصري.
«إنه مشروع لا يدّعي العصمة، ولا يطرح نفسه بديلاً عن أحد، بل يُقدّم نفسه كجزء من الحل، بوصفه صوتًا وطنيًا هادئًا، راكم خبرة طويلة، وتجاوز محنًا قاسية، واستوعب دروس الماضي برؤية مستقبلية واضحة.»
أولًا: مرجعية أصيلة وهوية وطنية جامعة
يستند المشروع الوطني للجماعة إلى مرجعية إسلامية وسطية، تستلهم روح الشريعة لا ظاهر النص فقط، وتجمع بين التمسك بالثوابت والانفتاح على الواقع.
هذه المرجعية لا تنطلق من منطق الاستعلاء أو الاحتكار، بل تؤمن بأن:
- الإسلام هو قاسم مشترك جامع،
- والمواطنة حق أصيل لكل مصري،
- والشورى والعدالة والحرية مبادئ لا تتعارض مع الدين، بل تنبع منه.
«يتبلور إطار وطني شامل، يُمكن أن يلتقي فيه الجميع، على قاعدة احترام التعدد، والتعاون على البناء، والتوافق على قواعد العمل المشترك.»
ثانيًا: البناء من القاعدة الاجتماعية
من أهم ملامح هذا المشروع أنه لا يُحمّل الإصلاح على النُخَب وحدها أو على السلطة فقط، بل يضع المجتمع في قلب المعادلة، ويبدأ من حيث يجب أن يبدأ أي مشروع وطني حقيقي: من الإنسان.
وأبرز أولوياته:
- تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص،
- تمكين الفئات المُهمّشة لا سيّما في الصعيد والمناطق الطرفية،
- إصلاح منظومة التعليم وتكريس القيم الأخلاقية،
- دعم الشباب وتمكينهم من أدوات الوعي والمشاركة،
- تفعيل العمل الأهلي والخيري بوصفه ركيزة للاستقرار المجتمعي.
«إنه مشروع يرى أن الدولة القوية تُبنى من مجتمع قوي… لا من هيكل فوقي هشّ.»
ثالثًا: علاقة الدولة بالمجتمع… توازن لا تنازع
لم يكن يومًا في خطاب الجماعة الإسلامية استعداء لمؤسسات الدولة، بل كان تركيزها الدائم على إصلاح العلاقة المختلّة بين الحاكم والمحكوم، وإرساء مناخ يُعزّز الثقة، لا القطيعة.
يرتكز هذا الجانب من المشروع على:
- النقد البنّاء، بعيدًا عن العداء أو التبرير.
- الإصلاح التدريجي، لا الهدم ولا التهويل.
- المشاركة الوطنية، لا الاستبعاد ولا الاستئثار.
«عبر حزب البناء والتنمية، عبّرت الجماعة عن خطاب متزن وممارسة مسؤولة، لم تسعَ للصدام، ولم تنعزل عن الواقع.»
رابعًا: مراجعة صادقة ومشروع بديل
الميزة الجوهرية لهذا المشروع أنه انبثق من مراجعة داخلية صادقة للتجربة السابقة، مراجعات لم تكن اضطرارية أو شكلية، بل نابعة من قناعة عميقة بضرورة التجديد.
وقد أسفرت تلك المراجعات عن:
- القطيعة التامة مع العنف كوسيلة للتغيير،
- تفهّم حقيقي لتعقيدات الدولة المصرية،
- بناء خطاب سياسي يجمع بين قيم الشريعة وروح العصر،
- الاقتراب من كل مكونات المجتمع بروح الشراكة لا التفوق.
«من رحم هذه الرؤية، تشكّل المشروع السياسي للجماعة، لا بوصفه طريقًا للسلطة، بل كإسهام في صناعة حل وطني شامل.»
خامسًا: رؤية للإنقاذ لا للهيمنة
في ظل تعمّق الأزمات، لم تتخذ الجماعة الإسلامية موقف المعارض الصارخ ولا المؤيد الصامت، بل قدّمت رؤية واقعية تقوم على:
- كسر ثنائية “نحن أو هم”،
- إعادة الاعتبار للمصالحة الوطنية الشاملة،
- استعادة ثقة الناس في الدولة من خلال مشروع جامع،
- الاستثمار في الإنسان كمدخل رئيسي للنهضة.
«مشروع يطرح نفسه كرافعة إنقاذ وطني، لا كبديل سلطوي، ويُقدّم الجماعة لا كتنظيم يسعى للحكم، بل كتيار وطني يُؤمن بالشراكة والتجديد.»
خاتمة: من رحم التجربة… إلى أفق المستقبل
«ما يُميز هذا المشروع أنه وُلد من معاناة واقعية، ونضج بالتراكم، وتحرّر من الخطاب الشعاراتي.»
لا يُبنى على نفي الآخرين، بل على التعاون معهم، ولا يتغذّى على الانقسام، بل يسعى لوحدة الصف.
«الجماعة الإسلامية لم تصل للسلطة من قبل، ولا تطرح مشروعها كبديل منفرد، بل تُعلن بوضوح أن مستقبل مصر لا يُبنى إلا بتكامل كل أبنائها، وتعاون قواها الوطنية على قاعدة من التفاهم، والمشتركات، والمسؤولية.»
«وإذا أُتيح مناخ سياسي حقيقي، فإن هذا المشروع سيكون حاضرًا، لا طمعًا في سلطة، بل حرصًا على الوطن.»