العفو الدولية توثق 32.8% إعدامات مخدرات و75% ضحاياها أجانب فقراء بالسعودية

أكد تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية أن السعودية تسير بخطى متسارعة نحو سجل دموي غير مسبوق في تاريخها الحديث، حيث تم تنفيذ عدد من الإعدامات خلال السنوات الأخيرة يفوق أي فترة أخرى منذ بدء التوثيق الحقوقي قبل 35 عامًا، في مشهد يثير الفزع ويكشف عن منظومة عقابية بلا شفقة أو عدالة.
أشارت المعطيات الموثقة إلى أن 32.8% من الإعدامات خلال العقد الأخير جاءت بسبب تهم تتعلق بالمخدرات، وهي نسبة فادحة تنتهك بوضوح القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يرفض تطبيق عقوبة الإعدام في مثل هذه القضايا غير العنيفة، ما يجعل من هذه السياسة القضائية سيفًا مسلطًا على رقاب الضعفاء والمهمشين بلا مبرر قانوني.
لفت التحقيق إلى أن النسبة الصادمة من هذه الإعدامات استهدفت أجانب لا يحملون من الحماية شيئًا، حيث بلغت نسبتهم قرابة 75%، وهم ينتمون إلى بلدان تعاني من الفقر وعدم الاستقرار مثل باكستان، مصر، إثيوبيا، نيجيريا، سوريا، الصومال، والأردن. هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مجرمين خطرين بقدر ما كانوا ضحايا لفقر مدقع دفعهم لمغادرة أوطانهم بحثًا عن لقمة عيش، ليقعوا فريسة شبكات التهريب، ويُقدّموا إلى محاكمات لا تملك من العدالة إلا اسمها.
أوضح التقرير أن المحاكمات التي أُجريت لـ25 شخصًا من بين هؤلاء اتسمت بانتهاكات قانونية جسيمة، حيث لم يُسمح لغالبية المتهمين بالحصول على محامين، وتعرّض بعضهم للتعذيب النفسي والجسدي لانتزاع ما يُسمى “اعترافات”، استخدمت لاحقًا لإدانتهم دون تحقيق أو أدلة حقيقية، مما يُعد استهزاءً صارخًا بمبدأ المحاكمة العادلة.
استرسل التقرير في وصف اللحظات المرعبة التي يعيشها المحكومون بالإعدام، وهي لحظات تتكرر كل يوم في صمت. وصف عبدالله، شقيق عرفان الله خان – المواطن الباكستاني المحكوم بالإعدام – تلك اللحظات بكلمات موجعة، حيث قال إن شقيقه لا يعلم متى سيُساق إلى الموت، وإن الساعة تأتي فجأة بينما هو مستلقٍ، ليجد نفسه معصوب العينين في طريقه إلى الإعدام، دون وداع، ودون أي فرصة أخيرة للحياة.
نوه التقرير إلى أن العذاب لا ينتهي عند لحظة الإعدام، بل يمتد إلى الأسر المكلومة التي تُحرم حتى من جثامين أبنائها. لم تسلّم السلطات أي جثمان لذوي الضحايا، ما يمنعهم من الحداد أو الدفن، ويتركهم في حالة صدمة أبدية لا نهاية لها، وكأن الموت لم يكن كافيًا، فكان لا بد من انتزاع الحق الأخير: دفن الأحبة بكرامة.
أعلن التقرير أن الرعب وصل إلى ذروته عندما جرى تنفيذ ثلاث إعدامات أثناء إعداد التحقيق ذاته، وهو ما يؤكد على السرعة البشعة التي تتم بها عمليات القصاص، دون إعلام مسبق أو مراجعة قانونية حقيقية، وكأن التنفيذ السريع مقصود لقتل الأثر، ولتجنّب أي ضجة إعلامية أو ضغط حقوقي خارجي.
أردف التقرير بأن هذه الممارسات تمثل قمة الانفصال عن القيم الإنسانية والعدالة، وهي ليست مجرد إجراءات قضائية بل جرائم منظمة بحق الفقراء والمهاجرين الذين تحوّلوا إلى ضحايا مزدوجين: مرة بسبب ظروفهم، ومرة أخرى بسبب نظام لا يعرف سوى الإعدام كحل. ولا تزال مقصلة الموت تعمل بصمت، فيما العالم يتفرج، والعائلات تُسحق بلا ضجيج.
هذه ليست عدالة، بل آلة قتل ممنهجة تُمارس خلف أبواب مغلقة، تنفّذ الإعدام بلا تراجع، وتدفن الحقيقة مع أصحابها، في زمن يُفترض أنه تجاوز الإعدامات الجماعية وبدأ في احترام حق الحياة.