مصر

وزارة الصحة تستدين مليار دولار من الصين لبناء مدينة طبية بلا ضمانات

أشعلت وزارة الصحة موجة جديدة من الغضب الشعبي، بعدما أقدمت بشكل مفاجئ على خطوة كارثية تمثلت في سعيها لاقتراض مليار دولار من بنوك صينية، بهدف إنشاء مدينة طبية داخل العاصمة الإدارية الجديدة، دون أي وضوح لمصادر السداد أو معايير الشفافية، وكأن البلاد ينقصها المزيد من الديون والقيود الخارجية الخانقة.

كشفت مصادر مطلعة أن المبلغ الضخم المقدر بمليار دولار سيُستدان تحت مسمى “تطوير البنية الصحية”، في الوقت الذي يتم فيه تفريغ المستشفيات العامة من وظائفها الحيوية، وخصخصتها تدريجيًا دون أي نقاش مجتمعي حقيقي، وكأن صحة المواطن أصبحت عبئًا على الحكومة، لا حقًا مشروعًا.

اتهمت أصوات غاضبة داخل القطاع الطبي مسؤولي الوزارة بالانفصال التام عن الواقع، خاصة أن القرار يأتي بالتوازي مع انهيار واضح في مستوى الخدمات الصحية بالمستشفيات الحكومية، والتي باتت عاجزة عن توفير أبسط المستلزمات، في حين تُنفق الملايين على إنشاء مدينة طبية أشبه بـ”وهم فاخر” لا يخدم المواطن العادي، بل يُجهز ليكون مزارًا استثماريًا للأثرياء فقط.

أشارت تقارير اقتصادية إلى أن الوزارة تجاهلت تمامًا التحذيرات من الاعتماد المفرط على القروض الصينية، المعروفة بشروطها المجحفة وفوائدها الباهظة، وسط غياب شبه تام لأي خطة سداد معلنة أو جدول زمني يوضح كيفية إدارة هذه الأموال أو استردادها.

لفت متابعون إلى أن الحديث عن “مدينة طبية عالمية” لا يتماشى مع الواقع البائس للمواطن، الذي يعاني من قوائم انتظار ممتدة في المستشفيات، وانعدام الأجهزة، وأطقم التمريض المنهكة، في الوقت الذي يُطلب فيه منه تمويل مشروع ضخم بالدولار لم يطلبه ولم يستشر فيه أحد.

أكدت مصادر أن الحكومة تعمدت التكتم على تفاصيل الصفقة، بما في ذلك أسماء البنوك الصينية المشاركة، والضمانات المقدمة، وطبيعة العقود، ما فتح الباب أمام تساؤلات مرعبة حول احتمالية رهن أصول مصرية أو الاستدانة بشروط غير معلنة قد تعصف بالسيادة الصحية مستقبلاً.

استغرب مراقبون التوقيت الذي أُعلن فيه عن المشروع، خصوصًا أنه يأتي بعد موجة خصخصة شملت عددًا من المستشفيات المركزية، وإسناد إدارتها إلى شركات خاصة تحت شعار “التطوير”، رغم أن هذا التطوير لم ينعكس لا على مستوى الخدمات ولا على سهولة وصول المواطن للعلاج.

أوضح خبراء في الاقتصاد الصحي أن بناء “مدينة طبية” بمليار دولار دون إصلاح المستشفيات الحالية هو كمن يشتري فيلا فاخرة بينما منزله الأصلي على وشك الانهيار، مؤكدين أن ما يحدث هو إعادة إنتاج لنفس سياسات التجميل الخارجي التي تتجاهل تمامًا أصل الأزمة.

انتقدت مصادر مستقلة هذا التوجه الذي وصفته بـ”التمويهي”، مشيرة إلى أن الغرض منه تلميع صورة الحكومة أمام المجتمع الدولي عبر مشاريع عملاقة على الورق، في حين يعاني الواقع الصحي من الإهمال والتهالك والتراجع الحاد في الكوادر والكفاءات.

حذر ناشطون من أن هذا النهج قد يُغرق البلاد في مستنقع ديون جديد، خصوصًا مع تزايد الاعتماد على القروض من جهات خارجية، وانعدام الرقابة على الإنفاق، وتراجع الشفافية بشكل ملحوظ في كل ما يتعلق بمشاريع العاصمة الإدارية، التي باتت تبتلع كل الموارد وتترك المحافظات الأخرى بلا أبسط مقومات الحياة.

طالب مختصون بفتح تحقيق شامل حول خلفيات الاقتراض الأخير، ومراجعة جدوى المشروع وأولويته في ظل الظروف الراهنة، خصوصًا مع تحذيرات متكررة من المؤسسات المالية الدولية بشأن ارتفاع الدين الخارجي، وانكماش القدرة على السداد، وتراجع الاحتياطي النقدي.

نبه محللون إلى أن ربط القرار بجهات أجنبية دون ضمانات حقيقية للمردود المحلي من المدينة الطبية، هو مقامرة بمستقبل القطاع الصحي في مصر، وقد يجعل المواطن رهينة لسياسات استثمارية لا تراعي حاجته للعلاج بقدر ما تركز على الأرباح.

بذلك يتضح أن ما يُروّج له كـ”نقلة نوعية” في القطاع الطبي، قد لا يكون سوى قنبلة مؤجلة، عنوانها الأساسي: اقتراض خارجي ضخم، غياب للشفافية، وتجاهل تام لصوت المواطن.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى