مليار جنيه لدعم وتجميل فشل إدارة السكة الحديد مع تجاهل الانفجار المعيشي الكامل

أعلنت جهات سيادية عن ضخ مليار جنيه دعمًا مباشرًا لهيئة السكة الحديد، وكأنها محاولة فجة لإسكات الغضب الشعبي المتصاعد، في ظل موجات الغلاء المتلاحقة التي تلت قرارات الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود. هذا الدعم لم يأتِ لدعم البنية التحتية أو تحسين الخدمة، بل فقط لتجميد أسعار بعض القطارات المكيفة، كأن تثبيت الأسعار صار إنجازًا يوازي الإنقاذ الوطني.
أوضح أحد المطلعين على تفاصيل الملف أن الدعم موجه بالأساس لعدم رفع تذاكر القطارات الإسبانية والروسية المكيفة، وكذلك بعض قطارات الضواحي التي تخدم المواطنين على المسافات القصيرة. الفئة المستهدفة تبدو واضحة: محدودو الدخل الذين تُلقى لهم فتات الاستقرار في مواجهة الانفجار المالي الذي يعصف بكل شيء.
أشار نفس المصدر إلى أن هذه الخطوة جاءت كرد فعل متأخر على الزيادة المؤلمة التي شهدتها أسعار الوقود مؤخرًا، حيث تجاوز استهلاك الهيئة من السولار سنويًا حاجز الـ240 مليون لتر. وبرغم تلك الأرقام الفلكية، لم تُقدَّم للهيئة أي تعويضات مالية في العام الماضي، على الرغم من تطبيق أربع زيادات متتالية على التذاكر خلال أربع سنوات. الهيئة باتت تعتمد على نفسها، تتحمل تكاليف التشغيل، وتدير عجزها المزمن بحلول ترقيعية لا تمس أصل المشكلة.
أكدت دوائر قريبة من الملف أن الهيئة لا تنوي، “حتى الآن”، رفع أسعار التذاكر مجددًا. لكن هذه العبارة وحدها كفيلة بزرع الشك في نوايا مستقبلية قد تحمل ما هو أكثر مرارة. الدعم الحكومي، بحسب المخطط، يهدف لتحقيق معادلة واهية بين الإيرادات والمصروفات، وكأن الحفاظ على هذا التوازن المحاسبي أهم من حياة المواطنين المطحونين.
أضاف المصدر أن هناك دفعات مالية أخرى قادمة، بقيمة 5.5 مليار جنيه، تستهدف تغطية الفارق بين التكلفة الحقيقية للتذكرة وسعرها المخفَّض لبعض الفئات، مثل الطلاب وذوي الاحتياجات وأسر الشهداء. لكن ما لم يُذكر هو كيف أن هذه المبالغ تُصرف دون أي مراجعة لهيكل الإنفاق أو جدوى السياسات التشغيلية التي استنزفت الهيئة لسنوات.
في المقابل، اختارت الهيئة رفع أسعار تذاكر القطارات الفاخرة دون تردد. قطارات “التالجو” التي لا يراها المواطن العادي إلا في الإعلانات، قفزت تذاكرها من 275 إلى 350 جنيهًا في الدرجة الأولى بخط القاهرة الإسكندرية، ومن 175 إلى 250 جنيهًا في الدرجة الثانية. أما الرحلات الأطول كالقاهرة أسوان، فبلغت تذاكر الدرجة الأولى 900 جنيه بدلًا من 700، والثانية 750 بدلًا من 550. يبدو أن الفخامة وحدها هي من تُسعَّر وفقًا للتكلفة الحقيقية، بينما القطارات الشعبية تبقى رهينة مسكنات الدعم المؤقتة.
منذ أن تسلم كامل الوزير منصبه في 2019، لم تتوقف موجات الزيادة. البداية كانت في يوليو 2020، تلتها زيادة في يونيو 2023، ولم تنجُ منها لا القطارات المكيفة ولا غير المكيفة، ولا حتى قطارات “تحيا مصر” المعروفة بأنها المتنفس الأخير لمحدودي الدخل.
ختم المصدر حديثه بالتأكيد على أن الدعم الحالي ليس إلا قناعًا هشًا يغطي عجزًا ماليًا مزمنًا، وسوء إدارة ممتد لسنوات. فبدلًا من إصلاح حقيقي لمنظومة النقل، يتم ترحيل الأزمة بدفعات مالية مؤقتة، على حساب واقع معيشي ينهار يومًا بعد يوم.