أحزاب وبيانات

استعراض مسرحي بالبرلمان يشيد بالسيسي وسط تصفيق ووقوف جماعي غريب

تجلّت مظاهر التملق السياسي بشكل فجّ داخل قاعة مجلس النواب، مع اختتام دور الانعقاد الخامس للفصل التشريعي الثاني، حين انقلبت الجلسة من مراجعة أداء السلطة إلى لحظة احتفال مدبرة مليئة بالتصفيق والمديح العلني للرئيس عبد الفتاح السيسي، في مشهد لا يمتّ للرقابة البرلمانية ولا المحاسبة السياسية بأي صلة.

طالبت النائبة هند حازم، بصوتٍ متحمس أقرب للنداء، من زملائها النواب الوقوف دقيقة شكر للرئيس، مشيدة بما وصفته بدعمه لذوي الإعاقة، وتحدثت كأنها تقدم تقرير امتنان شخصي أكثر منه بيانًا نيابيًا.

استجاب المجلس دون تردد، ووقف أعضاؤه بطريقة جماعية مثيرة للدهشة، كأنهم في عرض تمثيلي مقرر سلفًا، بينما تعالى التصفيق كأنه جزء من سيناريو معدّ بدقة، لا نقاش فيه ولا تباين.

أعلن رئيس المجلس حنفي جبالي، خلال كلمته، ما بدا وكأنه خطاب ختامي لحفل تكريم أكثر من كونه خطابًا رقابيًا جادًا، حين قال إنهم بلغوا محطة النهاية في عامٍ مليء بالعطاء الوطني والعمل المتواصل، مضيفًا أوصافًا مبالغًا فيها لدور المجلس، معتبرًا إياه “صوت الأمة” و”ضميرها” و”الحارس الأمين” رغم أن واقع الأداء التشريعي يعكس صورة مختلفة تمامًا في عيون الكثيرين.

واصل الجبالي في كلمته عبارات الإشادة المتكررة المألوفة، كأنّ المجلس حوّل وظيفته الرقابية إلى منبر لتمجيد المؤسسة الحاكمة، دون أي وقفة حقيقية لمحاسبة أو تقييم. بدا كأن مهمتهم الأساسية لم تكن مراجعة ما جرى خلال عام كامل من جلسات، بل تلميع السلطة أمام كاميرات الإعلام.

استغل وكيل المجلس محمد أبو العينين الكلمة بدوره ليُضيف إلى مشهد المديح المبالغ فيه، فأطلق وابلًا من الإطراءات حول ما سماه بـ”التصدي الشجاع لقوانين تجاوزها الزمن”، وكأن البرلمان فكك أزمات البلاد بالكامل. وبدلًا من تقديم كشف حساب موضوعي، عاد لتكرار لازمة الدعم الكامل للسيسي، معتبرًا أن الرئيس قاد البلاد خلال لحظات صعبة، من دون أن يشير إلى أي انتقاد أو تحفظ.

لم يتطرق أي من النواب إلى أزمات الشارع أو شكاوى المواطنين أو اختناقات الواقع المعيشي، بل تحولت الجلسة إلى احتفال شكلي وانصهار في خطاب سلطوي لا يسمح بالتساؤل أو المراجعة. لم يخرج نائب واحد عن السطر، وكأن المجلس اختزل مهمته في رفع المديح وخفض النقد، تاركًا المواطن بلا منبر حقيقي يعكس ألمه أو ينقل صوته.

هكذا أُسدل الستار على دور الانعقاد، لا بجردة حساب شاملة، بل بلحظة تصفيق جماعي على أنغام الشكر للرئيس، في مشهد يُظهر بوضوح المسافة الكبيرة بين السلطة التشريعية المفترضة، ودورها الواقعي كامتداد مباشر للسلطة التنفيذية. ولم تكن الجلسة سوى تجسيد صريح لتحوّل البرلمان إلى منصة تأييد بدلًا من أن يكون مساحة رقابة حقيقية ومساءلة مستقلة، كما يفرضه الدستور والواقع السياسي الواعي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى