انخفاض التضخم السنوي لا يخفي نار الأسعار التي تشتعل بصمت في مصر

أعلن البنك المركزي المصري عن تراجع معدل التضخم الأساسي السنوي إلى 11.4% في شهر يونيو 2025، بعد أن كان قد بلغ 12.3% في مايو 2025، وهي النسبة التي بدت للوهلة الأولى وكأنها تبعث الطمأنينة، إلا أن الواقع الصادم لا يزال يناقض كل ما يُعلن على الورق.
أوضح المتابعون للشأن الاقتصادي أن هذا التراجع في النسبة المعلنة لا يعكس بأي حال من الأحوال حقيقة الأسعار التي تواصل الارتفاع يومًا بعد يوم، وسط معاناة شديدة لأغلب المواطنين في تلبية أبسط احتياجاتهم المعيشية. أكدوا أن ما يسجله المؤشر من أرقام قد يكون صحيحًا حسابيًا، لكنه بعيد تمامًا عن واقع الأسواق التي لا تعرف إلا لغة الغلاء.
لفت مراقبون إلى أن الأسعار لا تزال تحرق جيوب المواطنين، سواء في السلع الغذائية أو الخدمات اليومية، بينما يُستخدم مصطلح “التراجع في معدل التضخم” كستار ناعم يُخفى خلفه ألمًا اقتصاديًا حادًا تعيشه فئات واسعة من المجتمع، ممن لم يعد بمقدورها مجاراة إيقاع الغلاء المتسارع.
استندت التحليلات إلى أن الانخفاض المعلن في التضخم لا يعني أن الأسعار قد انخفضت، بل إن الأسعار ما زالت ترتفع ولكن بوتيرة أبطأ، وهو ما لا يراه المواطن العادي الذي ينظر فقط إلى ما تبقى من راتبه قبل نهاية الشهر، ويتساءل إلى أين يتجه هذا الاقتصاد؟ وهل سيتوقف قطار الغلاء في محطة ما قريبًا؟
أشار محللون إلى أن التضخم الأساسي هو مؤشر لا يشمل أسعار السلع المتقلبة مثل الغذاء والطاقة، ما يعني أن الأرقام التي تعلن غالبًا ما تكون مُخففة ومهذبة مقارنة بالحقيقة المؤلمة في الميادين والأسواق، حيث بات كيلو اللحمة يتجاوز حدود المعقول، وزجاجة الزيت تحوّلت إلى سلعة فاخرة، وطوابير الدواء تطول بلا نهاية.
نوه متخصصون إلى أن من يعيشون على دخل ثابت باتوا يعانون من تآكل مستمر في قدرتهم الشرائية، بينما تتجه الفئة الأكبر من الشعب نحو تدبير يومهم بصعوبة شديدة، في ظل ضعف السياسات الواقعية القادرة على كبح جماح الأسعار أو حتى كسر جمود الوضع المعيشي المتردي.
زعم بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي أن التراجع المعلن في التضخم ليس أكثر من أداة لامتصاص الغضب الشعبي ومحاولة لتجميل صورة الواقع، بينما الغلاء الحقيقي يسير على خطٍ موازٍ لا يعرف التباطؤ ولا يهتم بالأرقام المنشورة، في وقت تتصاعد فيه شكوى المواطنين من فاتورة الكهرباء والمياه والإيجارات وحتى مصاريف المدارس التي تبتلع ما تبقى من دخولهم.
استرسل الخبراء في تشريح الموقف، معتبرين أن الحديث عن أي تحسن دون انعكاس مباشر على الأسواق والأسعار هو ترف لا يستند إلى واقع، بل نوع من التخدير الإعلامي الذي يهدف فقط إلى تهدئة الرأي العام، متسائلين: هل يستطيع المواطن أن يشعر بهذا “التراجع” وهو لا يجد ما يشتري به احتياجات يومه؟
استدرك بعضهم أن هذا النمط من نشر الأرقام بلا تفسير واقعي يخلق فجوة عميقة بين الناس والمؤسسات، ويفقد الثقة المتبقية في السياسات المالية، خاصة حين تتكرر الأرقام المتفائلة دون تغيير ملموس على الأرض.
بهذا الشكل، لم يعد المواطن مهتما بمعدل التضخم المعلن، بل يبحث عن انخفاض حقيقي في الأسعار، وعن فرصة للعيش بكرامة، لا تُبددها أرقام ناعمة تُقال على الورق، بينما اللهيب مستمر تحت أقدام الناس.