اقتصاد

بيع أصول الدولة يتسارع لسد العجز تحت ضغط صندوق النقد الدولي

سارعت الحكومة، وكأنها تسابق الزمن، إلى إعادة فتح ملف بيع الشركات المملوكة للدولة، بعد تلقيها صفعة جديدة من صندوق النقد الدولي الذي رفض صرف الشريحة الخامسة من القرض، وقرر دمجها مع السادسة في مراجعة مؤجلة إلى الخريف، تاركًا الدولة في مأزق مالي لا تحسد عليه.

هذا الرفض لم يكن إلا صفارة إنذار واضحة بأن ما يحدث من “إصلاحات” ليس كافيًا، وأن التباطؤ في تنفيذ الخصخصة يُعد فشلاً صريحًا في نظر المؤسسة المالية الدولية.

أكدت مصادر حكومية مطلعة أن الحكومة باتت تعطي أولوية قصوى لطرح حصص من أربع شركات مدرجة للبيع في البورصة، وتسعى بكل ما أوتيت من نفوذ وسرعة إلى إنجاز تلك الخطوة قبل نهاية العام، في محاولة يائسة لتجميل موقفها المالي أمام الصندوق.

وتكشف هذه العجلة الفاضحة أن القرارات الاقتصادية لم تعد تُتخذ بترتيب داخلي بل بضغط خارجي واضح ومكشوف.

أشارت المصادر إلى أن المخطط القديم كان يتضمن استكمال الطروحات خلال النصف الثاني من العام المالي 2024-2025، لكن ما شهدته المنطقة من توترات أدى إلى تجميد الخطط لبعض الوقت.

ومع تعثر الصرف، أعادت الحكومة تحريك الملف مجددًا، وأعادت على الطاولة خطة أوسع لبيع حصص في 11 شركة مملوكة للدولة خلال العام المالي 2025-2026، كما ورد حرفيًا في تقرير وزارة المالية لشهر مايو.

أوضحت المعلومات أن القائمة المطروحة للبيع تضم كيانات حيوية تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، منها “الوطنية” لتوزيع المنتجات البترولية، و”صافي” للمياه الطبيعية، و”سيلو فودز” للأغذية، و”تشيل آوت” التي تدير محطات الوقود، و”الوطنية للطرق”.

ويتولى صندوق مصر السيادي حاليًا مهمة إعادة هيكلة هذه الشركات، تمهيدًا لعرضها لمن يدفع أكثر، وسط صمت رسمي عن الشفافية أو الرقابة المجتمعية.

زعمت الحكومة أنها تستهدف جمع ما بين 4 إلى 5 مليارات دولار من بيع هذه الحصص قبل نهاية العام المالي المقبل، وكأن هذه الأموال ستسقط من السماء دون أن يكون لها ثمن اقتصادي واجتماعي باهظ.

ما يجري الآن هو تصفية تدريجية لأصول الدولة، تحت ستار الإصلاح، بينما الحقيقة أنه بيع اضطراري لا يختلف كثيرًا عن التنازل تحت الضغط.

أعلنت الجهات المعنية كذلك عن تلقي عروض مشروعات شراكة بقيمة 40 مليار جنيه، ما يعادل نحو 800 مليون دولار، تشمل مشروعات تحلية مياه، ومحطات كهرباء، ومنشآت لمعالجة مياه الصرف، ومبادرات لتدوير النفايات.

وتروج الحكومة لهذه المشاريع باعتبارها دفعة تنموية، بينما هي في حقيقتها محاولات مستميتة لجذب أي تمويل خارجي.

استدركت المتحدثة باسم صندوق النقد، جولي كوزاك، لتؤكد أن الدمج بين المراجعتين الخامسة والسادسة سيتم في الخريف، مع تشديد على ضرورة الإسراع في تقليص تدخل الدولة في الاقتصاد، وتسريع وتيرة بيع الشركات الحكومية، بما فيها تلك التابعة للجيش. هذا التوجيه من الصندوق يكشف بوضوح أن القرار لم يعد مصريًّا خالصًا، وأن السيادة الاقتصادية تُباع بالتقسيط.

أوضحت كوزاك أن عدم تنفيذ الشروط بالشكل المطلوب هو السبب المباشر لتأجيل الشريحة الخامسة، ما وضع الحكومة في موقف مكشوف وحرج، لتبدأ مرة أخرى في بيع أصولها دون توقف، وبشكل لا يراعي لا الاحتياج المحلي ولا الأولويات الاستراتيجية.

هكذا يتضح المشهد: الدولة تلهث خلف أموال الصندوق، مقابل التنازل عن ممتلكاتها قطعة بعد قطعة، دون أي خطة طويلة الأجل، أو حتى اعتراف بأن ما يجري هو إفلاس إداري مغلف بشعارات “الإصلاح الاقتصادي”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى