أخبار العالم

ترامب يستخدم فوضى ليبيا والسودان سلّمًا لتوسيع نفوذه السياسي الشخصي

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته دفع عملية “تسوية سلمية” في كلٍّ من ليبيا والسودان، لكنه لم يُخفِ أبدًا أن ما يسعى إليه ليس حلًا إنسانيًا، بل استثمارًا صريحًا في أزمات شعوب مستنزفة، كوسيلة قذرة لتلميع صورته السياسية وإعادة إنتاج نفوذه المتآكل.

لم يكن ظهوره وسط خمسة من الزعماء الأفارقة سوى استعراض إعلامي فجّ يهدف لإيهام الداخل الأمريكي بأنه ما زال يمسك بخيوط اللعبة الدولية، بينما الحقيقة أن من يدفع الثمن هم شعوب عالقة بين فوضى الحرب وطموحات رجل يركض خلف الكاميرا.

أكد ترامب أن ليبيا والسودان غارقتان في ما سماه “الكثير من المشاكل”، لكن ما لم يقله بصراحة هو أنه يرى في هذا الغرق فرصة سانحة لبسط السيطرة الأمريكية تحت غطاء “السلام”، بينما هدفه الحقيقي تمرير أجندات تتعلق بالهجرة، والطاقة، وتصفية الحسابات مع خصومه السياسيين داخل وخارج الولايات المتحدة.

استخدم كلمات مثل “التسوية” و”الدفع بالأطراف” و”الضغط السياسي” وكأنها شعارات جديدة، بينما لا تخفي نبرته نية واضحة للتدخل الخشن، سواء عبر الزعماء الحاضرين أو من خلال آليات يديرها من خلف الستار.

أوضح مستشاره للشؤون الإفريقية أن واشنطن ستتدخل لفرض “صيغة شاملة”، وتحت هذا العنوان المطاطي يختبئ تكتيك معروف: خلق واجهات سياسية صديقة للبيت الأبيض مقابل صفقات تتعلق بالثروات وملفات الهجرة.

ولم ينسَ الإشارة إلى أن العملية لن تستثني أحدًا، لكن الواقع أن ما يُجهّز هو مقص إقصائيّ حاد سيُبعد من لا ينسجم مع المزاج الأمريكي.

زعم ترامب أن الوضع الراهن في البلدين لم يعد يحتمل، وكأنه يتحدث عن أزمة بيته الأبيض وليس عن معاناة الملايين في الخرطوم وطرابلس.

نبرة استعجاله لم تكن بدافع القلق على الأرواح، بل خوفًا من أن تنفلت الفوضى خارج سيطرته وتصبح في يد أطراف منافسة كروسيا أو الصين.

لفت إلى أن إدارة بايدن تركت فراغًا، لكن الحقيقة أن هذا الفراغ ملأه الدم والموت والنزوح والدمار، والآن يسعى ترامب لاستغلاله كمادة خام لإعادة بيع “النفوذ الأمريكي” المتهالك، محاولًا فرض صورة “المنقذ” على حساب كرامة شعوب وأوطان تحترق.

صرح بأن الحل القادم سيعتمد على “لقاءات مباشرة” و”ضغط أفريقي”، لكن من يقرأ ما بين السطور يدرك أن ترامب ينوي تشكيل طبقة سياسية جديدة تخدم طموحه لا شعوب السودان وليبيا. يريد فرض اتفاقات تولد في واشنطن وتُرضِعها مكاتب الاستخبارات الأمريكية قبل أن تراها أعين أهل الميدان.

نفى ترامب أن يكون تدخله عسكريًا، لكنه لم يستبعد فرض صيغ أمنية تضمن بقاء أدواته في مواقع القرار، وكأنه يخطط لتحويل ليبيا والسودان إلى مختبر لتجربة أدوات النفوذ الأمريكي الجديد.

أشار إلى محكمة أمريكية منعت ترحيل مهاجرين إلى ليبيا، لكنه لم يوضح أن خطته الأصلية كانت الاستفادة من دول منهارة لترتيب صفقات إعادة توطين المهاجرين مقابل دعم سياسي ومالي لحكومات طيّعة.

أردف أن الأسابيع القادمة ستشهد “نتائج”، لكنه لم يقل لمن ستكون هذه النتائج: هل ستصب في مصلحة الليبيين والسودانيين؟ أم ستُحوّل أراضيهم إلى أوراق مساومة في صفقات البيت الأبيض القادمة؟ كل المؤشرات تكشف أن “السلام” الذي يتحدث عنه لا يعني الاستقرار، بل إدارة الفوضى بما يخدمه سياسيًا واقتصاديًا.

استرسل ترامب في مزاعمه بأن العالم سيشهد تحوّلًا دبلوماسيًا كبيرًا، متناسيًا أن نفس هذا العالم شاهد من قبل كيف دمّرت التدخلات الأمريكية بلدانًا بأكملها باسم “الديمقراطية”. الآن يعيد تسويق اللعبة ذاتها، لكن بطلّاء “إفريقي أمريكي مشترك”، وكأن التواطؤ حين يكون جماعيًا يغفر خطايا التدمير الفردي.

ختامًا، فإن ما يروّج له ترامب ليس مبادرة سلام، بل صفقة سلطة على حساب الشعوب. ليبيا والسودان ليستا ساحتي تفاوض، بل صندوقي اقتراع غير مباشر يستخدمهما ترامب ليعود لاعبًا دوليًا، على حساب أرواح المقهورين ومعاناة النازحين وتاريخ طويل من الخيانات السياسية التي لا تنتهي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى