حريق سنترال رمسيس يفضح إنفاق 31 ضعف قارة أفريقيا كاملة هباءً

أشعلت النيران في قلب القاهرة، لا في مبنى عادي، بل في عصب الدولة الحيوي، الحريق الكارثي في مبنى سنترال رمسيس، المؤلف من عشرة طوابق، عاصفة من الفوضى عطّلت قلب الدولة بالكامل، لتتبدد وعود سنوات طويلة من “التطوير” في رماد دقائق قليلة. اندلع الحريق في منشأة من المفترض أنها محور الاتصالات الرئيسي في مصر، فانقطعت الخدمات الحيوية في مشهد عبثي يكشف عمق التناقض بين الإنفاق الضخم على البنية التحتية والواقع الصادم عند أول اختبار حقيقي.
أوقف الحريق حركة البنوك، وشل نظام حجز التذاكر، وجمّد تعاملات البورصة لأول مرة منذ أربعة عشر عامًا. تعطلت الطرق، ومات أربعة مواطنين، وأصيب عشرات آخرون وسط انهيار منظومة الطوارئ التي لم تتمكن من الاستجابة بعد تعطل الخطوط الساخنة المخصصة للإسعاف والنجدة، في صورة عجز تام لا يمكن تبريره تحت أي ظرف.
أكدت النيران في لحظة ما فشلت البيانات الرسمية في إخفائه لعقود. وعلى الرغم من أن مصر أنفقت على البنية التحتية للاتصالات ما يُعادل 31 ضعف ما أنفقته قارة إفريقيا بأكملها، إلا أن النتيجة كانت صفرًا فادحًا لحظة الحسم. المشاريع التي تباهت بزيادة سرعة الإنترنت الثابت أكثر من عشرة أضعاف، لم تصمد أمام حريق طابقين في مبنى واحد.
قالت الجهات المختصة سابقًا إن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حقق نموًا بنسبة 16.3% خلال العام المالي 2022/2023، ووُصف هذا النمو بأنه الأعلى بين قطاعات الدولة للعام الخامس على التوالي. ومع ذلك، لم يشفع له ذلك حين انكشفت هشاشة هذا التقدم النظري أمام اختبار عملي بسيط. كل شيء انهار دفعة واحدة: الاتصال، الإدارة، الطوارئ، الأمن المعلوماتي، والاحتياطات التي من المفترض أنها تكلفت المليارات لتأمينها.
أوضح الحادث أن ما أُنفِق لم يُترجم إلى أنظمة أمان فعلية ولا إلى بنية تحتية ذكية قادرة على تجاوز الأزمات. كشف أيضًا أن “جودة الحياة الرقمية” التي رُوّج لها لم تكن سوى شعارات تزيّن تقارير الإنجاز، بينما الواقع كان ينتظر شرارة نار ليطيح بكل ذلك دفعة واحدة.
استدرك كثيرون سؤالًا صعبًا: كيف يمكن أن تنفَق المليارات في بلد مثل مصر على مركز رئيسي بهذا الحجم دون أن تكون هناك منظومة حماية متقدمة؟ كيف تتحول طوابق كاملة إلى حطام في قلب العاصمة، دون بدائل تشغيل أو خطط طوارئ فورية؟ أين ذهبت كل تلك الأرقام الضخمة، ولماذا لم تنعكس على بنية قادرة على تحمل موقف طارئ هو بديهي في معايير الأمان الدولية؟
زعم المسؤولون في وقت سابق أن هذه الاستثمارات الكبرى ساهمت في تحسين الخدمات الرقمية وتعزيز جاهزية الدولة للتحول الرقمي، لكن الحريق الأخير أطاح بكل هذه المزاعم من جذورها، وأعاد النقاش إلى نقطة البداية: هل الإنفاق كان في محله؟ أم أن المشروعات حوّلت المليارات إلى أوراق فارغة لا تصمد أمام لهب صغير؟
لم يعد ممكنًا تجاهل أن البنية التحتية ليست مجرد سرعات إنترنت أو مؤشرات نمو على الورق، بل منظومة صامدة قادرة على الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات في أسوأ الظروف. ما حدث في سنترال رمسيس لم يكن حريقًا فقط، بل انفجارًا صامتًا في ثقة الناس بكل ما قيل لهم طوال السنوات الماضية.