شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: الوفد… العار مرتين: من شارك في المهزلة ومن انتظر ثمنها

لم أكتب هذه الكلمات كغريبٍ عن الوفد، يراقب من بعيد مأساةً حزينة، بل كـ”وفديٍّ لحمًا ودمًا”… عشت وتربيت 17 عامًا في دروبه،

وفديّ بالانتماء، لا بالانتساب، وفديّ بالنضال لا بالبطاقات. ابن بيتٍ ارتوى من نهر الوفد، وشرب من مبادئ سعد، والنحاس، وفؤاد سراج الدين، ورفاقهم من القادة والمفكرين الذين صنعوا مجد هذا الكيان وأضاءوا شعلة الأمة في أحلك الليالي.

أكتب وفي القلب غصّة، وفي العين دمعة، لما آل إليه حال هذا الحزب العريق، الذي لم يكن يومًا رقمًا على الهامش،
ولا شاهد زور في المعارك الكبرى.


الوفد الذي خاض معارك الاستقلال، وصاغ أعظم وثائق الحرية، وقاد الميادين لا القوائم،
فكيف تُختزل اليوم أزمته في “مقعدين يتيمين” على أطراف تحالف مشين، لا يعبأ بتاريخه، ولا يعترف بجغرافيته السياسية، ولا يحترم حتى ذاكرته.

لم يكن أكثر أبناء الوفد تشاؤمًا ليتخيل يومًا أن يتذيل رئيس الحزب قائمة الانتخابات الرئاسية بأداء باهت، ومواقف محيّرة، وأحاديث كانت محل التندر لا الاحترام. هزيمة غير مشرفة، لا في النتيجة فحسب، بل في المنهج والرسالة… ثم يأبى أن يغادر، ويتذرّع أن ثمن المشاركة سيُحصده الحزب لاحقًا في شكل مقاعد وتفاهمات!


الاء عبد السند يمامه في الانتخابات الرئاسية يجعلنا نترحم على الدكتور نعمان جمعه الذي خاض الانتخابات الرئاسية عام 2005 بأداء كنا نصفه أنه ضعيف مما أدى لحلوله ثالثًا في الانتخابات الرئاسية الأولى في تاريخ مصر حاصدًا أصواتًا أقل من عشر أصواتي، لكن كان الرجل كبيرًا رغم أدائه المرتبك في هذه الانتخابات التي كانت نهايته السياسية والحزبية في الوفد.


لم يتعلم عبد السند من أخطاء الدكتور نعمان جمعه بل ضاعفها ليصل بصورة الوفد الذهنية في الشارع المصري إلى الحضيض الذي لم تصل إليه في أي وقت من الأوقات، مبررًا هذا الحضيض بأن الحزب سيحصد الثمن في الانتخابات البرلمانية القادمة.

وإذا بنا نُفاجأ أن هذا “الثمن” الذي بُني عليه الوهم، لم يكن سوى مقعدين شحيحين،

(مع كل الاحترام لطارق عبد العزيز زميل والصديق العمر). فالمقعد الأول والثاني، لا يتناسبان لا مع تضحيات الوفديين، ولا مع وعود يمامة،

ولا مع وزن الحزب في الوجدان الوطني. فإذا بحزب وليد كـ حزب العدل بالكاد تعرفه ميادين السياسة – يحصد مقاعد تفوق مقاعد الوفد، وكأننا لم نكن هنا منذ قرن، ولم نكتب التاريخ بدمائنا، ولم ندفع الثمن لأجل هذا الوطن.

الأدهى أن الغضب داخل الحزب لم يأتِ لأن “الرئيس” خان الأمانة، أو فرّط في الهوية، أو أضعف البنيان، بل لأن الصفقة لم تكتمل! كأننا أمام سوقٍ للولاءات، لا أمام حزبٍ عريقٍ اسمه الوفد… فصار العار مضاعفًا: من باع، ومن غضب لأنه لم “يُقبض”.

يا سادة، الوفد لم يكن يومًا حزب المقاعد، بل حزب المبادئ. لم يكن يومًا تابعًا في تحالفٍ مُصمَت، بل كان صانعًا للتحولات الوطنية الكبرى. واليوم، في ظل قيادة عبدالسند يمامة، نُسلّمه طوعًا للمجهول، ونراه يطفئ لجان الحزب، ويصادر شباب الوفد، ويخرس الأصوات، ثم يقول لنا: “اصبروا… فالثمن آتٍ”!

لقد بدأ الانحدار منذ ما بعد عهد الدكتور السيد البدوي، الذي وإن اختلفنا معه، فقد حافظ في سنواته الأولى على قوام الحزب، ووزنه، ومكانته. أما الآن، فنحن أمام تصفية لا انحدار، أمام إعدام سياسي لا مجرد تراجع.

المؤامرة على الوفد لم تعد خفية. أجهزة لا تريد لهذا الحزب أن يكون لسان المعارضة الوطنية، فأتوا بمن يُنفذ المهمة دون جدال، ولا يكتفي بتنفيذ المطلوب، بل يزيد عليه من حرصه على إرضاء من لا يُرضون أحدًا.

ومع ذلك، الوفد ليس عبدالسند يمامة، كما لم يكن يومًا حزب شخصٍ أو مرحلة. الوفد فكرة، وهوية، ومسيرة. الوفد أكبر من تحالفات اللحظة، وأبقى من تحالفات الانتهاز.

إنني كابن لهذا البيت، لا أملك إلا أن أصرخ في وجه الريح:
أعيدوا للوفد هويته!
أعيدوا لبيت الأمة مقامه!
نحن لا نحزن على المقاعد، بل نحزن على الكبرياء، على المجد الذي يُباع رخيصًا، على الحركة الوطنية التي تُسلّم رايتها للرويبضة.

قال خالد الذكر فؤاد باشا سراج الدين:
“نحن ننحاز للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان”…
وهذا هو خط الوفد، وهذا هو الوفد الذي أنتمي إليه، لا وفد يمامة، ولا وفد الصفقة.

المعركة القادمة ليست على عدد المقاعد، بل على مصير الحزب، على بقاء أو فناء فكرة اسمها الوفد.
إما أن يُنقذ أبناؤه هذا الكيان، أو نقرأ عليه الفاتحة… لا لضعف التمثيل، بل لموت المعنى.

وختامًا… إلى كل وفديٍ حقيقي، إلى كل من حمل اسم الوفد في قلبه ووجدانه، لا تتركوا بيت الأمة ينهار أمام أعينكم. اجعلوا من الجمعة القادمة موعدًا لاستعادة الصوت، واسترداد القرار. الحضور في الجمعية العمومية ليس إجراءً شكليًا، بل معركة لإنقاذ الحزب من خاطفيه. فلنكن هناك… من أجل الوفد، ومن أجل مصر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى