ملفات وتقارير

ستة وثلاثون قتيلاً في أسبوع واحد يفضح الإهمال القاتل بمصر

اجتاحت مصر أيام كابوسية لا يمكن وصفها إلا بأنها شهادة حية على حجم الإهمال المزمن المتغلغل في كل شبر من مؤسساتها، بعدما تحولت البلاد إلى مسرح مفتوح للدم والنار والغرق في أقل من أسبوع.

ستة وثلاثون مواطنًا لفظوا أنفاسهم بين الحديد الملتوي والنيران المشتعلة والمياه القاتلة، وسط صمت رسمي وعجز كامل عن التدارك أو حتى الاعتراف بالفشل الذريع.

انهار الأمل تمامًا حين وقع حادث مأساوي على الطريق الإقليمي في محافظة المنوفية، أسفر عن وفاة 19 فتاة دفعة واحدة في مشهد لا يمكن تقبله تحت أي ذريعة.

لم تكن حادثة مفاجئة، بل نتيجة مباشرة لعقود من تجاهل البنية التحتية، وعدم إصلاح طرق قاتلة تحصد الأرواح بالجملة.

هؤلاء الفتيات لم يمتن في حرب أو كارثة طبيعية، بل على طريق يُفترض أنه آمن ومجهز، لكنه تحوّل إلى فخ مفتوح بلا مخرج.

لم تكد البلاد تستوعب الصدمة حتى انطلقت صفارة مأساة أخرى على نفس الطريق الإقليمي بمحافظة الجيزة، لتعلن عن مقتل 9 مواطنين آخرين في حادث تصادم جديد، يكرّر نفس سيناريو الدم والموت، ويؤكد أن ما يحدث ليس صدفة ولا قضاءً وقدرًا كما يُسوّق، بل جريمة مستمرة تُرتكب كل يوم برخصة رسمية.

استمر نزيف الأرواح حين لفظ 4 مواطنين أنفاسهم غرقًا داخل بارجة بحرية بخليج السويس، في منطقة يُفترض أنها تخضع لأعلى درجات التأمين الملاحي، لكنها تحوّلت إلى مقبرة طافية فوق الماء.

غابت معايير السلامة، وتعطلت آليات الإنقاذ، وظهرت الكارثة لتفضح أن ما يُقال عن جاهزية الموانئ مجرد حبر على ورق لا يصمد أمام اختبار حقيقي.

في قلب العاصمة، وتحديدًا بسنترال رمسيس، اشتعلت نيران الكارثة الأخيرة، حيث توفي 4 مواطنين اختناقًا داخل منشأة حكومية من المفترض أنها تحتوي على أعلى درجات التجهيز الفني والتقني.

النار التهمت المعدات، والدخان خنق الضحايا، في وقت تاهت فيه أجهزة الإطفاء ولم تصل إلا بعد أن صار كل شيء رمادًا. مشهد لا يليق ببلد يدّعي امتلاك البنية التحتية لمواجهة الطوارئ.

صرخ الناس، وارتفعت أصوات الغضب، لكن أحدًا لم يتحرك. لا مراجعة ولا محاسبة، فقط تعتيم وتجاهل، وكأن دماء 36 إنسانًا لا تستحق حتى بيانًا حقيقيًا أو اعترافًا بالتقصير.

الحوادث تتابعت بسرعة صادمة، والموت تنقل من الطرق إلى البحر إلى قلب العاصمة، دون أن يقف في طريقه أحد.

أشار متابعون إلى أن الكارثة الحقيقية ليست فقط في عدد الضحايا، بل في التكرار المتسلسل للخراب وكأن الدولة لا تتعلم، ولا تبذل أدنى جهد لتمنع ما هو قادم. القاتل ليس سائقًا متهورًا ولا حريقًا عابرًا، بل منظومة كاملة ترعى الفوضى وتسوّق لها على أنها أمر واقع.

بهذا النزيف، تحوّلت مصر إلى مقبرة مفتوحة، تُدفن فيها الحقيقة مع كل ضحية، وتُمرر فيها الكارثة وراء الأخرى دون وقفة، دون مراجعة، دون أدنى إحساس بالمسؤولية.

الدماء التي سالت على الطريق، والغرقى في الخليج، وجثث المحترقين في السنترال، ليست مجرد أرقام، بل صفعة مدوية على وجه نظام فشل في حماية شعبه مرة تلو الأخرى.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى