اقتصاد

عودة التداول بالبورصة المصرية تكشف انهيار الاتصالات وهشاشة البنية الرقمية

اشتعلت النيران في سنترال رمسيس، فاشتعلت معها فضيحة وطنية مدوية كشفت بوضوح حجم الهشاشة والاعتماد الأعمى على بنية اتصالات متهالكة لم تتحمل شرارة واحدة.

دقائق قليلة كانت كفيلة بقطع شريان حيوي يخدم ملايين المواطنين، ويشلّ البورصة المصرية بالكامل في سابقة فضائحية لم تحدث منذ أكثر من عقد، وسط صمت رسمي مخزٍ وتكتم متعمد على أبعاد الأزمة الحقيقية.

أعلنت البورصة المصرية – دون اعتذار أو تحمل مسؤولية – استئناف التداول يوم الأربعاء، بعد يوم كارثي أغلقت فيه السوق أبوابها تمامًا لأول مرة منذ عام 2011، بسبب تعطل الاتصالات الناتج عن حريق سنترال رمسيس. لم تُعلن الجهة المسؤولة عن سبب الحريق، ولم تُكشف تفاصيل الخسائر، ولم يُعرض أي تقييم جاد لما جرى. مجرد رسائل موجهة للعملاء، وبلاغ مقتضب عبر القنوات، وكأنّ الأمر لا يستحق مساءلة.

صرحت البورصة بأن عودة التداول جاءت نتيجة تنسيق وجهود مشتركة بين الجهات المعنية، وكأن تلك “الجهود” كانت كافية لتدارك فضيحة بهذا الحجم. الحقيقة أن الانقطاع فجّر أسئلة مصيرية: كيف يُعقل أن سوقًا ماليًا حساسًا يعتمد على كابل واحد؟ أين الخطط البديلة؟ أين البنية الحديثة التي يتغنّى بها المسؤولون؟!

كشف الحريق عن منظومة مترهلة، لم تصمد أمام اختبار بسيط، حيث انهارت الاتصالات كليًا وفشلت كل محاولات الإصلاح الجزئي فجر الثلاثاء، ما اضطر إدارة البورصة إلى تعليق الجلسة بأكملها. وبينما كانت الشركات والمتعاملون يتخبطون في الظلام، لم يتكرم أحد بتقديم أي إيضاح حول مدى التأثير المالي أو حجم الضرر الذي أصاب المستثمرين.

أوضح المهندس محمد إبراهيم، رئيس قطاع التفاعل المجتمعي بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، أن خطة لإعادة الخدمات قد بدأت بالتعاون مع الوزارة وشركات الاتصالات. لكنه أقرّ بأن سنترال رمسيس من أقدم وأهم السنترالات، وهو ما يعزز حجم الكارثة، لا يخففها. فكيف لبنية “قديمة” أن تكون مركزية بهذا الشكل دون حماية أو تحديث؟!

أشار إبراهيم إلى أن بعض الخدمات عادت عبر بدائل، وأن المكالمات الصوتية والإنترنت والخدمات الحكومية لم تتوقف تمامًا، لكن الشارع المصري عاش تجربة مختلفة تمامًا: انقطاع شبه كامل، ارتباك عام، وشلل في أغلب الخدمات الحيوية، بما يكذب التصريحات المهدئة ويزيد الغضب الشعبي.

لفت المسؤول إلى وجود غرفة عمليات تتابع تطورات الوضع، لكن الجهاز – حسب قوله – لا يملك صلاحية التحقيق في سبب الحريق، ما يعني ببساطة أن أحدًا لا يسأل: من المسؤول؟ من أهمل؟ من يجب أن يُحاسب؟

أكد إبراهيم أن الخدمة تتحسن تدريجيًا، وأن أغلب الخدمات ستعود خلال 24 ساعة، لكن السؤال الجوهري يبقى: كيف تستمر دولة بحجم مصر في الاعتماد على شبكة قابلة للانهيار بسبب حريق واحد؟ أين الاستعداد للطوارئ؟ وأين هي مصر الرقمية التي يُصدّرونها للناس في الإعلام؟!

دعت البورصة المتعاملين إلى تجنب الانفعال واتخاذ قرارات مدروسة، بينما كانت هي نفسها تتخبط دون خطة واضحة أو شفافية في التعامل مع الأزمة. هذه الدعوة لا تُقنع أحدًا، في ظل سوق لم تستطع حتى التواصل مع المتعاملين عند وقوع الكارثة.

زُعِم أن السوق عاد للعمل في بيئة عادلة ومنتظمة، لكن ما جرى أثبت أن أي وعد بالعدالة أو الكفاءة ما هو إلا تغطية لواقع هش، ومنظومة تقنية قابلة للانهيار في أي لحظة، دون تحذير أو تنبيه أو خطة بديلة حقيقية.

وهكذا، كشف حريق سنترال رمسيس عن ورقة توت سقطت، وبنى رقمية وُصفت زورًا بأنها عصرية، فإذا بها تنهار عند أول احتكاك بالنار، لتترك خلفها ملايين المواطنين، ومليارات الاستثمارات، وقطاعًا كاملًا من دون نبض.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى