مقالات وآراء

ماهر المذيوب في رسالة مفتوحة إلى قيس سعيد: “أسئلة الإفلاس والتطبيع أولى من أفلام الاغتيالات”

وجّه ماهر المذيوب، عضو مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية عن دائرة الدول العربية وبقية دول العالم، ومساعد رئيس المجلس للفترة النيابية 2019–2024، رسالة مفتوحة مباشرة إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد، انتقد فيها ما اعتبره انحرافًا بالخطاب الرسمي نحو “اختلاق مؤامرات واغتيالات وهمية”، بدلًا من مواجهة التحديات الحقيقية التي تمر بها البلاد، وعلى رأسها أزمة الإفلاس المالي و”موجات التطبيع السياسي القادمة بلا رحمة”.

بين خطاب المؤامرة والانهيار الاقتصادي

وقال المذيوب في رسالته:
“حديث إشاعات الاغتيال التي تتهم رجل دولة رفيع في السجن منذ أكثر من 800 يوم، لا يمكن تصنيفه إلا ضمن أفلام التشهير السياسي الرخيص، وهو استغلال فجّ لأجندات خفية لا تريد الخير لتونس.”

وأضاف أن هذه الإشاعات لم تعد مجرّد أحاديث مواقع التواصل، بل أصبحت تُبث في برامج رسمية على شاشات تلفزيونية عربية شقيقة، بل ويُفسح لها المجال لإلقاء خطابات تحريضية، وهو ما يثير تساؤلات عن صمت رئاسة الجمهورية التونسية تجاه هذا الخطاب، بل واحتمال التواطؤ معه.

“هل هذا هو مستوى رئاسة الجمهورية؟”

وتوقف المذيوب عند استغرابه من أن يتحول أحد الإعلاميين، الذي وصفه بـ”فلان الفلاني”، إلى ناطق رسمي باسم الدولة، مستنكرًا:
“أين هي كرامة رئاسة الجمهورية؟ وأين احترام مؤسسات الدولة؟ هل هكذا نُسلّم سيادة الخطاب الرسمي لمن يروّج للفتنة؟”

رسالة لتاريخ العلاقة بين النهضة وسعيّد

ذكّر المذيوب في رسالته بأن الأستاذ راشد الغنوشي، رئيس البرلمان الأسبق، كان من أوائل الداعمين لسعيّد في انتخابات 2019، وأن حركة النهضة لم تسعَ في أي لحظة إلى إسقاطه عبر وسائل غير سلمية، بل تمسكت بالدستور واحترام القانون رغم ما تعرّضت له من تنكيل.

وأكد أن لولا حكمة الغنوشي وقيادة النهضة، “لاحترقت البلاد منذ يوم 25 يوليو”، مشيرًا إلى أن الحديث عن بدائل مثل “برلمان المهجر” أو “حكومة ظل” لم يكن غائبًا عن الخيارات، لكن تمّ استبعاده حفاظًا على استقرار البلاد، وليس دعمًا للرئيس.

وكان نص الرسالة كالتالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

📌 #إلى_قيس_سعيد | أسئلة الإفلاس و التطبيع أولى من أفلام الاغتيالات

#الخميس: 10 جويلية/يوليو 2025

#مباشر إلى قيس سعيد: أسئلة الامتحان اليوم هي: الإفلاس

والتطبيع، وليست النهضة ولا الغنوشي

Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية

1️⃣ تعفّفتُ عن التعليق على إشاعات خرجت من أفواه السفهاء والأباقين في الآونة الأخيرة، تدّعي تخطيطًا لاغتيال قيس سعيّد من قِبل رجل دولة رفيع يقبع في المعتقل منذ 805 أيام.

فرغم خطورة الأكاذيب وضعف أسانيدها وخواء حجّتها، فإن تكرار هذه «الأفلام» جعل ما يُروَّج له خارج الأطر الرسمية وبيانات الوزارات المختصّة لا يعدو أن يكون شهوة حاقدة لدى فئة قليلة ناشطة لاستئصال خصم شريف، ورغبة دفينة في إنهاء المعركة بالضربة القاضية حسب تخيّلاتهم المريضة، واستغلالًا بغيضًا لأجندة خفية لا تريد لتونس إلا الشر…

لكن حديث العابثين لنشرة أخبار تلفزيون دولة عربية شقيقة كبرى، وإفساح مساحة له ليلقي خطابًا تحريضيًا مباشرًا، أكّد لي أن «ما وراء الأكمة ما وراءها»… وأن قيس سعيّد ربّما يكون على علم ويشجّع على ذلك. ولو كان عكس ذلك لأمر وزيرة عدله، وأحال المتكلّم وفقًا للأمر الرئاسي المحبّب إلى قلبه: 54.

2️⃣ كنتُ ولا أزال معارضًا للانقلاب على الدستور يوم 25 جويلية/يوليو 2021، وأعمل ضدّ حكم الإستثناء بكافة الوسائل السلمية والمدنية.

لكنّي حقيقةً لا يمكنني أن أنسى أنه أستاذ بالجامعة التونسية، وأعجب وأستغرب وأستهجن كيف يسمح لذاته ونفسه كرئيس أن يصبح فلان الفلاني ناطقًا رسميًا باسم رئاسة الجمهورية التونسية، والآن بعد حديثه للقناة المصرية أصبح متحدثًا رسميًا باسم الدولة التونسية!

وهذا وحده يكفي لأن يخجل الإنسان من نفسه وتاريخه، ناهيك عن مستقبل أبنائه في العيش بين الناس غدًا مرفوعي الرأس.

3️⃣ أحترم كل إنسان في رغبته في التمسّك بالماضي، أو الوقوف على أرض الحاضر الصلبة، أو التوهان في أوهام المستقبل من دون تأسيس علمي منضبط…

يمكنك أن تعشق مصر العظيمة، وتستلهم من عبد الناصر، وتحجّ إلى مدينة العبور… كل هذا مباح لك شخصيًا وكرئيس، فالناس أحرار في ما يعشقون من مذاهب.

لكن «أفلام» الستينيات من القرن الماضي أصبحت للذكرى والإتعاظ والنقد الذاتي، ولم تعد هي ولا غيرها من الأفكار والسيناريوهات المشؤومة صالحة للتصدير، وفي مقدّمتها التنكيل بالناس وأفلام الاغتيالات المفبركة في أقبية المخابرات.

فكيف بالتشفّي والانتقام من الناس، و«أفلام» سمك، لبن، تمر هندي من رؤوس الفكارن…؟

4️⃣ راشد الغنوشي اختارك أنت ولا أحد غيرك في الإنتخابات الرئاسية 2019، وحشد حركته وأصدقاءها وشركاءها للتصويت لك. وللمرة المليار، لولا الغنوشي، لما كنت هناك.

حركة النهضة التونسية — ورغم ما قمتَ وتقوم به من انتهاكات جسيمة وخطيرة ومؤلمة في حقّ البلاد والعباد والسادة العظماء الشجعان من قيادتها المحترمة — لم تنبس بكلمة سوء أو فعل محرم ومجرم ضدك منذ انقلابك المشؤوم إلى يومنا هذا ومرورًا باليوم التالي ل «رئاسية» 2024…

وقد أكّد راشد الغنوشي — في تصريح مسجّل ومتوفر لقناة الجزيرة — بعد سنتين من انقلابك أنه وحركته يرفضون التغيير ضدك عبر الانقلاب الأمني أو العسكري.

لولا رشد الغنوشي وحكمة حركته وسلميتها لاحترقت البلاد في يوم الشؤم الذي أقدمت عليه وحدك…

ولولا الغنوشي لرأينا مشاريع ممكنة وصارت في تجارب أخرى من قبيل «برلمان المهجر» أو «حكومة الظل»… أمرًا واقعًا…

ليس حبًا فيك أو كرهًا لغيرك، بل تقيدًا بالدستور وعلوية القانون واحترام النظام الداخلي للمجلس.

وهذه أحداث أنا شاهدٌ ملكٌ عليها، وليست روايةً للتاريخ.

5️⃣ لتعلم أن سؤال الامتحان على ورقتك هو: كيف تخرج البلاد من مستنقع الإفلاس وتنقذها من مخطّطات التطبيع القادمة بقوّة وبلا رحمة؟

وهذه أسئلة حقيقية ومصيرية، لا ينفع فيها الخزعبلات ولا التهديدات الكلامية ولا أعتى أنواع الجراد، بل العودة إلى الدستور ونهاية حكم الإستثناء والعودة إلى الناس… كل الناس.

✍️ «هذه كلمتي للتاريخ. أما بقية الكلام فستقوله الأجيال القادمة.»

الإفلاس والتطبيع… هما السؤال الحقيقي

وختم المذيوب رسالته بتأكيد أن الأسئلة التي يجب أن يُحاسب عليها قيس سعيّد اليوم ليست مرتبطة بحركة النهضة أو راشد الغنوشي، بل تتعلق بمصير تونس:

“سؤال الامتحان الآن هو: كيف تخرج البلاد من مستنقع الإفلاس؟ وكيف تواجه مشاريع التطبيع القادمة بقوّة؟ لا وقت للأفلام والخزعبلات، بل العودة إلى الدستور والناس… كل الناس.”

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى