مجلس الوزراء يخصص 83.94 فدانًا ومباني حكومية لجهات سيادية بلا شفافية

أعلن مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأخير عن خطوة شديدة الحساسية، بنقل 69.55 فدان من ولاية معهد البحوث الزراعية، و14.39 فدان من وزارة الموارد المائية والري، إلى جهة سيادية وهي “جهاز مستقبل مصر للتنمية”، التابع بشكل مباشر للقوات الجوية، وذلك دون تحديد أي تفاصيل عن طبيعة المشروعات التي ستُقام على هذه الأراضي، أو الهدف من نقلها خارج نطاق الوزارات المدنية.
لم يُكشف في القرار عن مواقع تلك الأراضي بدقة، ولا عن مبررات سحبها من الجهات الأصلية التي كانت تديرها لأغراض بحثية وتنموية وزراعية، وسط صمت رسمي مريب وتعتيم لافت.
أسس “جهاز مستقبل مصر” عام 2022 بقرار جمهوري لم يُنشر حتى هذه اللحظة في الجريدة الرسمية، وبدأ عمله تحت مظلة القوات الجوية كمشروع لاستصلاح الأراضي، قبل أن يتحول بشكل تدريجي وسريع إلى أحد أذرع السيطرة الاقتصادية ذات الطابع السيادي، ويُكلف بإدارة ملفات استراتيجية مثل الأمن الغذائي واستيراد السلع، وعلى رأسها القمح والزيت، متجاوزًا أدوار مؤسسات مدنية تقليدية كهيئة السلع التموينية، التي طالما أدارت هذا الملف لعقود.
رصد المتابعون أول محاولة للجهاز للاندماج في السوق فعليًا نهاية نوفمبر الماضي، عندما تحرك لشراء القمح والزيت النباتي عبر اتفاقيات مباشرة، دون آليات واضحة أو لوائح معلنة، مما أربك السوق بالكامل، ودفع أطرافًا عدة للتريث أو الانسحاب، مع تصاعد مطالبات بالشفافية وتحديد الأدوار التنظيمية لهذا الكيان الصاعد.
توسع الجهاز لم يتوقف عند الاستيراد فقط، بل امتد إلى إدارة بورصة السلع، والبحيرات، واستلام القمح من الفلاحين، في مشهد يُعيد رسم خريطة النفوذ داخل السوق الغذائي، ويفرض معادلة جديدة يغيب عنها التوازن والرقابة، في ظل احتكار شبه مطلق من كيان عسكري الطابع لمجالات يفترض أن تكون خاضعة للمساءلة والمحاسبة العامة.
وفي تطور موازي، كشف الاجتماع الحكومي ذاته عن تكليف جديد لصندوق مصر السيادي، بالتصرف في المقرات الحكومية التي نُقلت ملكيتها إليه سابقًا، بما فيها 15 مبنى شاغرًا لم يتم تسكينها حتى الآن. هذا القرار جاء استكمالًا لتحركات بدأت منذ أوائل العام الماضي، حين أصدر رئيس الجمهورية قرارات بنقل أراضي ومباني 13 وزارة من وسط القاهرة إلى الصندوق، مع نزع صفة النفع العام عنها، تمهيدًا لتحويلها إلى مشروعات استثمارية لا تزال تفاصيلها غامضة حتى اليوم.
أوضح المجلس أن الجهات التي لم تُنقل بعد إلى العاصمة الإدارية الجديدة سيتم تسكينها مؤقتًا في المقرات المتاحة، ولكن لم تُحدد أي معايير لهذه التسكين، ولا تم الإعلان عن خطط واضحة بشأن الجهات المستهدفة أو معايير جدوى الاستخدام، في ظل استمرار حالة من الغموض تكتنف كل ما يتعلق بملكية هذه المباني المصنفة سابقًا كممتلكات عامة.
تشير التحركات المتسارعة الأخيرة إلى استراتيجية ممنهجة لإعادة توزيع الأصول الحكومية والعامة تحت غطاء التطوير، ولكنها تتم دون إشراك المجتمع أو عرضه على الرأي العام، وتُدار في مساحات رمادية، بعيدًا عن الشفافية أو المحاسبة، ما يفتح باب التساؤلات الصريحة عن الأهداف الحقيقية لهذه الخطوات، وعن مصير الأرض والملكية العامة في ظل موجة إعادة التموضع الحالية.
في كل خطوة، تتراجع الأدوار المدنية لصالح كيانات ذات طبيعة سيادية مغلقة، بينما تستمر القرارات في الصدور دون طرح أو نقاش، ويُترك المواطن في حالة من الترقب المشوب بالقلق من مصير إدارة ثروات البلاد.