مقالات وآراء

نادر فتوح يكتب : كامل الوزير رئيسًا للحكومة.. حين يتم ترقية الفشل في مصر

ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات والمطالبات التي تدعو لتكليف الفريق كامل الوزير برئاسة الحكومة. والحقيقة أنني توقفت طويلًا أمام هذا الطرح، الذي اختزل الكارثة، وتغافل عن سجلٍ ممتلئ بالدماء، والضحايا، والانهيارات.

والأغرب من ذلك، أن يُطرح هذا التصور قبل مرور أسابيع على حادث الطريق الإقليمي الذي أودى بحياة 19 فتاة بريئة لم تجف دماؤهن بعد، وكأن الكارثة لم تقع، وكأن المسؤولية أصبحت وسامًا لا تستوجب مساءلة، بل ترقية!

وعادت ذاكرتي إلى سلسلة من الحوادث المؤلمة التي راح ضحيتها عشرات المصريين،

وكان بطلها الفريق كامل الوزير. فتساءلت: كيف يتم تصوير الانهيار على أنه إنجاز؟ وكيف يُكافأ الفشل بمنصب أعلى؟ وهنا، لم أجد أوضح من لغة الأرقام لتكون الحكم.

منذ أن تولى كامل الوزير وزارة النقل في مارس 2019،

شهدت مصر أكثر من عشرين حادثة قطارات جسيمة، أبرزها حادث قطاري سوهاج في مارس 2021، والذي أسفر عن 20 قتيلًا وأكثر من 200 مصاب، يليه حادث قطار طوخ في أبريل من نفس العام، الذي راح ضحيته 23 قتيلاً و139 مصابًا، فضلًا عن سلسلة مستمرة من خروج القطارات عن القضبان في طنطا والأقصر والشرقية وغيرها.

ورغم هذه الكوارث، لم نرَ استقالة ولا محاسبة، بل كان الرد الدائم هو “العامل البشري” و”الإرث الثقيل”، وكأن دماء المصريين لا تستحق أكثر من تبرير مكرر.

أما منظومة النقل، فحدث ولا حرج. أسعار تذاكر القطارات تضاعفت أكثر من خمس مرات خلال أربع سنوات، وتذاكر المترو ارتفعت بمعدلات تفوق قدرة المواطن البسيط، ومع ذلك لم تتحسن الخدمة، ولا تزال الرحلات تفتقر إلى الحد الأدنى من الكفاءة والسلامة، حيث يدفع المواطن أكثر مقابل خدمة لا توازي ما يُدفع.

أما ما يُطلق عليه “شبكة الطرق الجديدة”،

والتي يتغنى بها الإعلام ليل نهار، فقد تحولت إلى مصائد موت جماعي. مصر تصدرت بالفعل قائمة الدول الأعلى في وفيات الطرق عام 2021، وأكثر من 7000 مواطن يلقون حتفهم سنويًا بسبب الحوادث، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. كثير من الطرق الجديدة تفتقر لأبسط معايير الأمان: لا إنارة، لا إشارات، لا رقابة، ولا مسؤولية.

وإذا كانت الحوادث السابقة مؤلمة، فإن ما جرى منذ أسابيع تجاوز حدود الصدمة.

في ذلك اليوم الأسود، لقيت 19 فتاة من محافظة المنوفية مصرعهن في حادث مروّع على الطريق الإقليمي، أحد الطرق التي تم التباهي بها باعتبارها “إنجازًا قوميًّا”. لكن الحقيقة كانت مؤلمة: طريق بلا إنارة، بلا إشارات، بلا تأمين، انتهى بمأساة جماعية دفعت ثمنها بنات في عمر الزهور. الوزير لم يخرج ليعتذر، بل واصل خططه كأن شيئًا لم يكن. والأسوأ من ذلك، أن الرجل نفسه كان قد صرّح من قبل قائلًا: “مش همشي من الوزارة إلا لما أموت!” فهل ننتظر موته؟ أم موت مزيد من الأبرياء حتى نُعيد التقييم؟

وبعيدًا عن الحوادث، فإن غياب الشفافية هو السمة الأوضح لإدارة هذا الملف. لم تُعلن نتائج أي تحقيق في كارثة سوهاج، ولم يُحاسب مسؤول واحد بعد حادث طوخ، ولم نرَ لجنة مستقلة تخرج لتوضح ما الذي حدث، ولماذا يتكرر. بل على العكس، استُخدمت الكوارث لتبرير مزيد من الصفقات، والتوسع في مشروعات النقل دون رقابة حقيقية.

وبينما يدفع المواطن الفاتورة من دمه، يجري إسناد مشروعات النقل لشركات بعينها دون منافسات معلنة، وتُبرم توريدات بمليارات الجنيهات في ظل غياب المعلومات والرقابة. المواطن لا يعرف شيئًا عن تفاصيل هذه العقود، لكنه يشعر بالثمن.. في الجيب، وفي الأرواح.

والسؤال البسيط الذي نحتاج إلى طرحه على كل من يروّج لهذا الرجل: إذا كان كامل الوزير ناجحًا كما تقولون، فلماذا يموت الناس على السكك والطرق؟ لماذا لا يشعر المواطن بأي تحسّن؟ ولماذا لا يُحاسب أحد على الإطلاق؟

كامل الوزير ليس نموذجًا للنجاح كما يُروّج، بل هو تجسيد حيّ للإخفاق المُمنهج. ولا يجوز أن تُدار الدولة بمنطق الصوت العالي أو الحسم العسكري. نحن بحاجة إلى دولة مدنية تُدار بالكفاءة لا بالقسوة، بالنتائج لا بالشعارات. فالمناصب لا تُمنح لمن يعلو صوته، بل لمن يشهد له تاريخه، لا ضحاياه.

  • كامل الوزير قدّم كل ما لديه، لكنه فشل في المهمة الأهم.. حماية أرواح الناس.
  • وبدلًا من أن نفتح ملف المحاسبة، نُطالب بمكافئته برئاسة الحكومة!
المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى