مصطفى مدبولي يروّج لإنجازات الطرق بينما دماء الأبرياء تغرق الإسفلت

أكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أن مصر قفزت 100 مركز دفعة واحدة في مؤشر شبكة الطرق، في تصريح بدا وكأنه محاولة لطلاء وجه الحقيقة الملطخ بالدماء بطلاء لامع من الإنجازات الورقية، بينما تئن الشوارع تحت وطأة نزيف الأرواح المتواصل.
أوضح مدبولي أن شبكة الطرق شهدت طفرة على مستوى البنية، لكنه استدرك معترفًا بأن معدلات الحوادث لا تزال مرتفعة وبعيدة تمامًا عن المعايير العالمية، في مفارقة صادمة تكشف عمق التناقض بين الخرائط المرسومة والتوابيت المحمولة على الإسفلت المحفور بالحفر والإهمال.
أشار رئيس الحكومة إلى أن الطريق الإقليمي تحول إلى شريان رئيسي لحركة النقل، مؤكداً أن 30% من عمليات النقل في مصر تمر عبره، لكنه لم يوضح كيف لطريق بهذه الأهمية أن يتحول خلال أسبوع واحد إلى مسرح لمجزرتين بشعتين أزهقتا أرواح 28 إنسانًا في مشاهد تقطر فشلاً واستهتارًا.
كشف الواقع أن الطريق الإقليمي، الذي من المفترض أنه أنجز بأعلى المعايير، لا يزال تحت عمليات “إصلاح وصيانة”، رغم مرور سنوات على افتتاحه، مما يطرح تساؤلات فاضحة عن مدى جودة التنفيذ، وجدوى المليارات التي ضُخت تحت بند التطوير.
لفتت الأنظار الكارثة الأخيرة في محافظة المنوفية، حيث وقع حادث مروع راح ضحيته 9 أشخاص وأصيب 11 آخرون، في استكمال مروع لحلقة نزيف متصل بدأت قبل أيام فقط بحادثة أخرى على نفس الطريق راح ضحيتها 19 فتاة شابة في مقتبل العمر، في مشهد أدمى القلوب وأعاد إشعال الغضب الشعبي.
أعلن وزير النقل كامل الوزير تمسكه بمقعده، في مواجهة سيل الانتقادات الغاضبة، متجاهلاً تحميله المسؤولية السياسية عن تلك الكوارث المتكررة، مكتفيًا بالإعلان عن إجراءات شكلية كفحص السائقين، بينما تتوالى الكوارث على الأسفلت بلا توقف ولا محاسبة.
زعم الوزير أن هناك خطة لتطوير الطريق الإقليمي بتكلفة تصل إلى 50 مليار جنيه، لكن لم يقدم تفسيرًا عن كيفية إنفاق هذه المليارات ولا أسباب تجاهل علامات الخطر التي تكررت كثيرًا على نفس الطريق، وكأن الأرواح البشرية تحولت إلى أرقام على هامش الميزانية.
استعرض مدبولي تفاصيل شبكة الطرق القومية مشيرًا إلى تنفيذ 7 آلاف كيلومتر جديد، لكن هذه الأرقام لم تشفع في مواجهة الدم النازف من ضحايا لم تسعفهم الأرصفة ولا اللوحات ولا الوعود، في ظل غياب واضح للرقابة والمساءلة وتراكم فادح في الإهمال والتقصير.
استفاض المسؤولون في سرد الإنجازات، متجاهلين أن الأرواح التي تزهق على طرق يفترض أنها “آمنة” و”جديدة” هي أكبر شهادة على أن ما يُبنى على الورق لا يضمن الحياة على الأرض، وأن المشهد اليومي من الحوادث ليس صدفة بل نتيجة مباشرة لمنظومة مشلولة ومتضخمة بالقرارات غير الفعالة.
فضحت الحوادث الأخيرة زيف الشعارات الحكومية حول السلامة المرورية، وكشفت أن الأولوية لا تزال للكاميرات والتباهي بالمؤشرات الرقمية، في حين تتراكم جثث الأبرياء فوق بعضها في مشاهد مأساوية لا تحتاج إلى تقارير ولا تحقيقات لتكون صارخة وواضحة للجميع.
انفجرت موجات الغضب في الشارع، وتكاثرت التساؤلات عن المسؤول الحقيقي، بينما يستمر النزيف وسط تصريحات مكررة وخطط بلا نتائج، ويبقى السؤال الأهم: من يحاسب من، ومن يدفع ثمن الدم المسكوب على طرق أنفقت عليها المليارات لكنها لم تمنح ركابها الأمان.