مصر

نقل 15 مبنى حكوميًا فارغًا لصندوق سيادي خارج أي رقابة

أصدر مجلس الوزراء تعليمات مباشرة تقضي بنقل ملكية مقرات حكومية تم إخلاؤها بالكامل بعد الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة إلى صندوق مصر السيادي، دون أي إعلان شفاف أو توضيح للجهات الرقابية، في خطوة محيّرة تكشف عن مشهد أكثر خطورة مما يبدو.

لم يكتفِ القرار بهذا الحد، بل امتد ليشمل 15 مبنى حكوميًا شاغرًا لم يُستخدم حتى اللحظة، ما يشير إلى نية مسبقة في تجريد الدولة من أصولها الثابتة دون طرح أي تفاصيل أمام الشعب أو البرلمان.

أكد متابعون للملف أن هذه المقرات ليست مجرد مبانٍ مهجورة، بل ممتلكات ضخمة تقع في قلب القاهرة التاريخية والإدارية، وأن قيمتها السوقية تتخطى مليارات الجنيهات.

تمت هذه العملية في هدوء غريب وبلا مساءلة، وكأن هناك سباقًا خفيًا لتصفية كل ما يمكن بيعه أو نقله إلى كيانات تُدار خارج إطار الشفافية، تحت شعار “الاستغلال” و”الاستثمار”، بينما الحقيقة أن الشعب لا يعلم من المستثمر ولا شكل العائد.

أوضح مطلعون أن صندوق مصر السيادي، رغم حجمه الضخم ونطاق صلاحياته، لا يخضع لرقابة مالية مباشرة من البرلمان، ولا يلزمه الإفصاح العلني عن صفقاته، ما يعني أن هذه الممتلكات أصبحت الآن في قبضة جهة لا يُعرف من يديرها فعليًا ولا كيف ستُستخدم.

هذا النمط من النقل لا يمكن وصفه إلا بتجريد الدولة من عمودها الفقري العقاري، وتمهيد الطريق لتحويلها إلى أدوات مالية يتم تدويرها لحساب فئات معينة.

لفت متخصصون إلى أن عدد المباني المقرر نقلها – 15 مبنى بالكامل – يمثل حجمًا إداريًا هائلًا، وتفريغًا صريحًا لعقارات الدولة من دورها الخدمي إلى سوق التربح والاستثمار المشبوه، دون أي ضمان حقيقي بعدم بيعها لاحقًا لجهات أجنبية أو محلية غير معلومة.

هذا السيناريو يفتح الأبواب أمام استنزاف ممنهج لمقدرات الدولة في وضح النهار، دون حتى عناء التبرير أو الشرح.

زعم مطلعون على سير العمليات أن هذه الخطوة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وأن ما يُخطط له يتجاوز مجرد نقل ملكية، ليصل إلى إعادة توزيع الثروات العقارية المصرية في هدوء، بعيدًا عن أعين الشعب، الذي لم يُستفتَ يومًا على بيع ممتلكاته، ولا حتى عَلِم ما يجري خلف الجدران المغلقة. أين الشفافية؟ من يقرر؟ ولمصلحة من يتم هذا النقل؟

أشار اقتصاديون إلى أن هذه السياسة تحمل في طياتها نوايا مقلقة، تُخفي عمليات تفكيك ممنهج للدولة من الداخل، وتحويل مؤسساتها إلى كتل قابلة للبيع، في الوقت الذي يُطالب فيه المواطن بالصبر وشد الحزام، بينما تُسحب ثروات بلاده بلا صوت ولا اعتراض.

استدرك مراقبون أن صندوق مصر السيادي لم يقدّم حتى الآن أي كشف واضح للعائدات المحققة من الأصول التي ضمها منذ تأسيسه، ما يزيد الغموض، ويؤكد أن ما يحدث ليس “استثمارًا”، بل إعادة توزيع خفية للثروة العامة، حيث تُنقل المباني باسم الشعب، لكنها لا تعود إليه بشيء.

ما جرى في صمت لم يكن نقلًا فنيًا ولا تطويرًا إداريًا .. بل عملية تسليم غير مشروطة لرقبة الدولة العقارية إلى مؤسسة غير خاضعة للمحاسبة الشعبية، في تكرار صارخ لنهج غامض يُدار في العلن بملامح الاستثمار، لكنه يحمل بين طياته مشهدًا أعمق بكثير: تفكيك الدولة الأصلية وتحويلها إلى كيانات للإيجار.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى