مقالات وآراء

يوسف عبداللطيف يكتب: الله أكبر .. قصة صمود تكتبها الروح بدموع الفرح

في كل عام، ومع بزوغ شمس العيد، يملأ قلبي فرحٌ لا يُضاهى، فرح الطفولة التي تشرق في عيوني رغم كل ما مرت به الأيام.

اليوم هو عيدي ولكن عيد مختلف، لأنه عيد انتصار الروح على المحنة، عيد تأكيد أن الله أكبر حقًا، وأن الحمد له في كل حال.

كنت أرفع صوتي عاليًا: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد»، تكبير أبلغ به عنان السماء، يتسرب إلى روحي كنسمة تهب على ظمأ الحياة، يعلن عن انتصارٍ للروح على المحن، وللفرح على الألم، تحملني نحو الأمل، وتغسل قلبي من آلام الماضي.

أنا اليوم أعيش عيدًا مختلفًا، عيدًا لا يشبه به أي عيد مضى، لأنني عرفت معنى أن تُختبر الحياة بكل ألوانها، بين ضوء الألم وظلال المحنة، لكنني اكتشفت أن ما نراه محنة قد يكون منحة إلهية، تخبرنا بأن ننهض بقوة أكبر، بأن نُعيد تعريف الذات، وأن نرى في كل سقطة فرصة للارتقاء.

الإيمان بالله، هذا القرب المقدس الذي حملني على أجنحة الصبر، كان السلاح الحقيقي الذي لم يفارقني؛ في ليالي الأرق حين لم أجد للنوم سبيل، وجدت في التكبير عزاءً، وفي ذكر الله مرفأ أمنيًا يحميني من غدر اليأس.

كنت أرفع صوتي متوسلاً، مستذكراً أنني لست وحدي، أن ربي معي، فكانت تلك الكلمات تضيء لي الطريق رغم الظلام؛ حين اشتدت بي المحنة، ووجدت نفسي وحيدًا في معركة كأنها لا تنتهي، كان الإيمان هو الدرع الذي لم يفارقني.

قرب الله من نفسي، ذلك السقف الذي لم يسقط، جعلني أعبر ظلمات الأيام بصبر لا ينفد؛ وفي لحظات الضعف، حين غابت النوم عن عيني، كانت كلمات التكبير ترسم لي أملًا جديدًا، تزرع في روحي شجاعة نادرة، وتجعل من قلبي معبدًا لا تعرف فيه كلمة استسلام.

ففي بداية عملي في محراب صاحبة الجلالة، تعلمت من أستاذي الراحل مجدي مهني أن من لا تملك شجاعة مهاجمته، لا تملك شرف امتداحه .. هذا الدرس ظل محفورًا في وجداني لسنوات، أطبقه كقانون لا حياد عنه حتي يومنا هذا.

لكن اليوم، أجد نفسي أمام استثناء نادر، وشخصية فريدة، رجلٌ لم أتجرأ على نقده بالأمس، ليس خوفًا، بل احترامًا لحجم الموقف وتعقيد المشهد .. لكنه اليوم أنصفني بما يُرضي الله، قبل أن يُرضي ضميره المهني .. ثلاث صفات اجتمعت فيه حِلم في موضع صخب، وعدل في موضع جدل، ونُبل في موضع حسم.

تلك اللحظة، التي امتزج فيها العدل بالرحمة، كانت نقطة تحوّل في رؤيتي لكل ما مضى؛ شعرت أن الله، الذي لا يضيع حق عبد لجأ إليه باكيًا، قد سخّر لي رجالًا في مواضع لا أملك إلا أن أحني رأسي أمام نزاهتهم. لم أعد أرى ما حدث محنة، بل اختبار إلهي دقيق، يكشف معادن الناس كما يكشف معدن الإنسان داخله.

وفي هذه الرحلة الصعبة، لم أكن وحدي .. كان لي في الحياة أبطال لا يقلون عن الملائكة، وفي هذا الظلام، جاء نور أصدقائي وعائلتي وأحبائي، أشخاص كتب لهم القدر أن يكونوا سندًا لا ينكسر؛ الدكتور أيمن نور، ذلك النجم الليبرالي، ليس مجرد زعيم سياسي.

بل هو الزعيم الذي لا يكلّ عن إشعال شموع الحرية في قلوب من حوله، لم يكن مجرد صديق بل كان قنديلاً يضيء في عتمتي، روح متقدة من العطاء والتضحية، بل كان شعلة أمل تضيء دربي، صوته الحاني وكلماته الملهمة كانت السند الحقيقي الذي لم أجد له بديلاً.

دعمه النفسي كان كبلسم يشفي جراح الروح، وقفته معي لم تكن فقط دعمًا نفسيًا، كانت أعمق من كلمات الشكر، أعظم من أي معروف، بل كانت رسالة صمود في وجه الظلم، كان يعطيني من قوته وهبته بلا حساب، وكلماته كانت كالنبع الذي يروي عطش قلبي حين أجفّ.

تاريخه النضالي وشخصيته المتفردة جعلته نموذجًا لا يُضاهى في الوفاء والإخلاص، صديقي وأخي في رحلتي التي لم تكن سهلة.

وبجانب هذا العملاق، كان أخي العزيز الدكتور ياسر الهضيبي، سكرتير عام حزب الوفد، عضو مجلس الشيوخ، والمحامي بالنقض، ذلك الإنسان الذي جمع بين الحكمة والقوة، بين القلب المفتوح والرصانة القانونية.

وقف إلى جانبي كالصخرة، فقد كان ركيزة قوية، صوته كان مرسى أمان في بحر العواصف، الصوت الحكيم الذي يحثني على الاستمرار، هو الحق الذي لا يخبو وسط زخم الحياة.

كان حضورًا ثقلًا، دليلًا على أن الإخوة في الوطن هم أجمل هدية يمكن أن نحصل عليها، صوته المطمئن وحكمته كانت كالمنارة التي تضيء لي الطريق وسط الظلمات، منارة تضئ لي دروبي، وكان الحامي الذي يحمي حقوقي بقلب لا يعرف التردد، رجل يحمل الوطن في وجدانه ويتنفس من أجله، مثال للصدق والنبل في زمن قلّ فيه الرجال.

ولا يمكن أن أنسى أحمد عبد المتجلي، المحامي الذي تجلى فيه معنى الإخلاص والوفاء، لم ينتظر جزاءً ولا شكورًا، كان الدرع الحامي لي عندما كانت الدنيا تزداد قسوة.

فقد كان درعًا وظهيرًا في معركة الدفاع عن نفسي، صموده أمام التحديات كان درسًا في الوفاء الحقيقي، دعمه كان مخلصًا ونقياً، عطاء بلا حدود، موقفه كان برهانًا على أن هناك أبطالًا لا تروي قصصهم الصحف، لكنهم يبقون في القلب خالدين.

صديقي الذي أثبت أن الوفاء عنوان لا يقدر بثمن، كان وجوده ملاذًا عندما انهارت الدنيا، دمه ووقته كانوا خير دعم لا أقدر على نسيانه.

أما زوجتي، تلك المرأة التي تحملت الكثير، ليست مجرد رفيقة حياة، بل كانت ملجأ الروح، كانت العين التي تبكي لي حين يغمرني الألم، والقلب الذي ينبض بالأمل، والأيادي التي ترفعني عندما أغرق في وحل الحزن.

كانت نور عيني ودفء قلبي، لا تعرف الاستسلام أمام محنتي، بل كانت تحفزني، تقويني، وتدعو لي بصدق لا يعرف الحدود.

وأولادي وبناتي، منهم أحمد، من كان نجمًا يشع بالدعاء لي في ليالي العتمة، وأنس الصغير الذي كان يجلس بجانبي يدعو لي ببراءة الأطفال، كانت براءتهم طوق نجاة من أعماق الألم، وأملًا يتجدد في كل لحظة، .

يرسل لي من قلبه النقي أطيب الأمنيات بأن تعود أيامنا أجمل، بقلب بريء لا يعرف إلا الحب، وأولادي وبناتي الآخرين الذين كانوا الضوء الذي لا ينطفئ في ظلمات المحنة.

لقد علمتني هذه التجربة أن المحنة ليست عقابًا بل هدية، منحة من ربٍ رحيم يختبر بها صلابتنا، يعيد ترتيب أولوياتنا، ويرشدنا إلى جوهر الحياة؛ فكل لحظة ألم كانت درسًا، وكل دمعة كانت تطهيرًا، وكل تكبير في ليالي اليأس كان تجديد عهد مع الله أنني لن أستسلم.

وطني .. يا حبي الأبدي، يا مصدر قوتي التي لا تنضب، أنت من تستحق كل جهدي، كل دموعي، وكل لحظة صبر عانيتها. لا أملك سوى أن أكرس حياتي لخدمتك، أن أكون صوتًا لشعبك، أن أعمل بقلبي وعقلي لما فيه خير أمتنا، دون أن ألتفت إلى ما يحيطني من صراعات، لأني أعرف أن حب الوطن هو أعظم نعمة وأصدق شهادة إنسانية.

هذه المحنة، يا قارئي، التي مررت بها لم تكن إلا بداية جديدة، صفحة بيضاء أرسم عليها آمالي وأحلامي، خطوة نحو مستقبل أستحقه، ومستقبل يليق بوطني وأهله، كانت هدية لا تُقدر بثمن، منحة ربانية، كانت أنقى دروس الحياة، أعظم تجارب الصبر، وأعمق معاني الإيمان.

لم تكن سوى اختبار لأني أكثر قدرة على النهوض مما ظننت، وعبرة تعلمتها أن الله لا يترك عبده إلا ليعطيه ما هو خير له؛ في قلوبنا ينبض وطن يحتاج منا أن نكون له السند والأمل، لا مجرد كلمات نرددها، بل أفعال تحيا بها الأجيال.

اليوم، هو عيدي الله الأكبر، أرفع صوتي عاليًا، ليس فقط مكبرًا بل مرددًا رسالة: أن الإنسان حين يقف بثبات على إيمانه، لا يعرف الانكسار؛ أن المحن ليست نهايات، بل بوابات لبدايات جديدة، وأن حب الوطن هو القوة التي لا تهزم.

الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، لأنني اليوم أقف شامخًا، أكثر يقينًا بأنني قادر على أن أكون نجمًا في سماء العطاء، رجلًا يحمل مشعل الحق والكرامة.

الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد، لأنني بقوتي هذه أستطيع أن أحمل شعلة الحق، وأكون صوتًا لكل من آمن بالعدالة والكرامة.

وهكذا، في عيدي الله الأكبر، أحتفل بالانتصار الحقيقي: الانتصار على نفسي، الانتصار على اليأس، والانتصار على كل ما حاول أن يكسر إرادتي.

أقول لكل من يقرأ هذه الكلمات؛ لا تخفوا المحن، لا تهربوا من الألم، فربما يكون في القلب جرحٌ لكن في الروح حياة تنمو، وفي الصبر حياة أخرى تشرق.

في عيدي الله الأكبر، أحتفل بالنصر الحقيقي: نصر الروح على اليأس، نصر الإيمان على الشك، ونصر الحق على الظلم.

هذه الكلمات ليست مجرد حروف، بل عهد أقطعه على نفسي أن أكون صوتًا صادقًا لوطني، رجلاً يحمل شعلة الأمل والعدل، لا ينحني أمام الرياح العاتية.

الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد، فبفضله أعيش، وبإيماني أقوى، وبحبي لوطني أعظم، وهذا عيدٌ غير كل الأعياد، لأنه عيد النصر على اليأس، عيد ولادة الأمل، عيد أنني أنا يوسف عبداللطيف، الرجل الذي لا ينطفئ نوره مهما زادت العواصف.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى