مقالات وآراء

مجدي حمدان يكتب: البرلمان القوي ركيزة للدولة القوية

في زمن تتشابك فيه الملفات الدولية وتعقُد فيه العلاقات الإقليمية، تصبح القوة الداخلية للدولة، بمؤسساتها التشريعية والرقابية، شرطًا أساسيًا لحضورها الخارجي الفاعل. ومن بين هذه المؤسسات، يبرز البرلمان كأحد أعمدة السيادة وصناعة القرار الوطني، لا بوصفه منبرًا تشريعيًا فحسب، بل باعتباره جسرًا للحوار الدولي وأداة لتثبيت المواقف المصرية في المحافل العالمية.

إلا أن ضعف البرلمان المصري في العقد الأخير، وتراجع دوره إلى مجرد مناقشة قضايا حياتية يومية – وإن كانت مهمة للمواطن – أدى إلى فجوة حقيقية في الأداء السياسي العام، وألقى بظلاله على صورة مصر في الخارج، وأضعف من تأثيرها في ملفات إقليمية خطيرة، أبرزها قضية سد النهضة والملف الفلسطيني.

-في العالم الحديث، لم تعد البرلمانات تقتصر على سن القوانين ومراقبة الأداء الحكومي؛ بل باتت تلعب أدوارًا مؤثرة في السياسة الخارجية من خلال ما يُعرف بـ”الدبلوماسية البرلمانية”، والتي تقوم على التفاعل مع برلمانات الدول الأخرى، وتشكيل جماعات ضغط داخل المؤسسات التشريعية الدولية، ونقل رسائل سياسية داعمة للموقف الوطني.

وفي هذا السياق، غابت مصر عن كثير من هذه المساحات، سواء في البرلمان الأوروبي أو الاتحاد البرلماني الدولي أو حتى في الاتحادات الإقليمية. وقد لمع الدور البرلماني لعدة دول في ملفات الصراع، منها إثيوبيا التي شكّلت وفودًا برلمانية تجوب العواصم المؤثرة لترويج روايتها بشأن سد النهضة، بينما لم نرَ تحركًا مصريًا موازيًا بقوة وفاعلية تُحدث الفارق أو تُصعّد الملف إلى مستواه الحقيقي.

-في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تتبنى مواقف متباينة تجاه العدوان على غزة، برزت وفود برلمانية من دول عربية وإسلامية تمارس ضغطًا سياسيًا وشعبيًا داخل برلمانات الغرب، مطالبة بوقف إطلاق النار وحماية المدنيين. أين كان البرلمان المصري من هذا الحراك؟ وأين هي لجان العلاقات الخارجية؟ وأين الوفود البرلمانية التي تمثل الشعب المصري في قضاياه القومية والعربية؟

هذا الغياب لم يكن إلا نتاجًا طبيعيًا لبرلمان يفتقر إلى الاستقلالية والقدرة على المبادرة، ويكتفي بدور التابع لا المبادر، والمُصادق لا المُحاور.

حين يصبح البرلمان صدىً لحكومة، لا رقيبًا عليها، وحين تُغيب فيه النقاشات القومية الجادة لصالح معارك جانبية حول سعر الرغيف أو مخالفات البناء، فإن النتيجة الحتمية هي تراجع وزن الدولة في ميزان الإقليم والعالم.

إن القضايا الكبرى، من الأمن المائي إلى الأمن القومي العربي، لا تُدار فقط من غرف المخابرات ومكاتب الرئاسة، بل من خلال رأي عام قوي، يعبّر عنه برلمان وطني حر، يمتلك الجرأة لقول ما لا تقوله الدولة أحيانًا، ويُعيد صياغة أولويات السياسة الوطنية بما يحقق التوازن المطلوب.

ما تحتاجه مصر اليوم ليس فقط انتخابات حرة تنتج نوابًا، بل منظومة سياسية تعيد للبرلمان هيبته ودوره الحقيقي، كمرآة للأمة وصوتها العاقل في الداخل والخارج. فبدون برلمان قوي، تظل الدولة مائلة، والقرارات أحادية، وتغيب الرقابة الشعبية، ويضعف الموقف التفاوضي خارجيًا، لأن من لا يملك صوتًا في الداخل، لا يسمعه أحد في الخارج.

إن إعادة الاعتبار للبرلمان المصري ضرورة وطنية، لا ترفًا سياسيًا، إذا أردنا أن تستعيد مصر موقعها الطبيعي، لا في خطابات الإعلام، بل على طاولة الأمم ومجالس القرار الدولي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى