حقوق وحرياتملفات وتقارير

خطف العرائس في قيرغيزستان: قهر النساء تحت ستار “التقاليد” البالية

في قلب آسيا الوسطى، وتحديدًا في قيرغيزستان ذات المناظر الطبيعية الخلابة والجبال الشاهقة، يختبئ كابوس يومي يعيشه آلاف الفتيات والنساء سنويًا تحت ما يُسمى بـ”خطف العرائس”. هذه الممارسة، المعروفة محليًا باسم “ألا كاتشو”، أي “اخطف واهرب”، تحولت إلى مأساة إنسانية متواصلة رغم تجريمها رسميًا.

يُقدَّر عدد ضحايا هذا العنف الذكوري المُقنَّع في التقاليد بأكثر من 10,000 فتاة وامرأة سنويًا، بعضهن لا تتجاوز أعمارهن الثالثة عشرة. يتم اختطافهن من أمام مدارسهن أو من الطرقات، ويُجبرن على الزواج من رجال غرباء بعد تعرّضهن للضرب أو الاغتصاب، في مشاهد أشبه بالأفلام المرعبة، لكنها واقع يومي في بعض الأرياف القيرغيزية.

الضحايا، اللواتي يتم عزلهن عن أسرهن فور الاختطاف، يُجبَرن غالبًا على الزواج تحت ضغط نفسي واجتماعي هائل. وفي كثير من الأحيان، يتعرضن للعنف الجسدي والجنسي، فيما تواجه أخريات مصيرًا أكثر سوداوية مثل الانتحار، كما حدث مع طفلة تبلغ من العمر 13 عامًا في عام 2022، أو القتل، كما في حالة الطالبة الطبية بورولاي توردالي، التي طُعنت حتى الموت داخل مركز للشرطة بعد اختطافها.

الدوافع وراء هذه الجريمة تتراوح بين الخرافات الاجتماعية، والرغبة في فرض السيطرة، والهروب من دفع “المهر”، أو حتى محاولات من رجال يعانون من اضطرابات عقلية أو لديهم سوابق جنائية للحصول على زوجة بالقوة. يروي بعض الناجين من هذه الجرائم كيف استُدرجوا عبر أصدقاء موثوقين، أو طُلب منهم الكذب على أهلهم بزعم القبول الطوعي للزواج بعد الاختطاف.

المثير للقلق أن كثيرًا من الجناة يفلتون من العقاب، في ظل تواطؤ بعض فئات المجتمع، بل ودعم من بعض القيادات المحلية، بما في ذلك عناصر في الشرطة. وقد صرّح أحد الضباط في وقت سابق: “لقد خطفت زوجتي، و99٪ من النساء في قيرغيزستان يوافقن في النهاية”.

وفي مقابل حالات القمع والدمار النفسي، ظهرت أصوات نسائية شجاعة تروي تجاربهن، من بينهن “أيسولو”، التي أصبحت مدربة دولية رغم آثار التجربة النفسية العميقة التي تلاحقها. لكنها تؤكد: “لن تكون أبدًا ضحية في الماضي فقط… إنها تبقى معك مدى الحياة”.

المنظمات الحقوقية، من بينها هيومن رايتس ووتش ويونيسف، دقّت ناقوس الخطر مرارًا، محذرة من أن الممارسات القسرية في الزواج تمثل انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، داعية الحكومة القيرغيزية إلى اتخاذ إجراءات حازمة لضمان حماية الفتيات ومعاقبة الجناة بصرامة، وعدم التهاون تحت ذريعة “التراث الثقافي”.

في بلد يُسوَّق سياحيًا كوجهة طبيعية ساحرة وآمنة، تظل الحقيقة المرة أن قيرغيزستان، بالنسبة لآلاف النساء، جحيم مغلف بالورود.

مأساة خطف العرائس في قيرغيزستان لم تعد مسألة محلية أو شأنًا داخليًا، بل جريمة ضد الإنسانية تتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا. السكوت عنها تواطؤ، وتبريرها استسلام، ومعالجتها تبدأ بإعلاء صوت الضحايا، ومحاسبة كل من يدّعي أن “التقاليد” فوق العدالة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى