أحزاب وبياناتملفات وتقارير

تمزيق الوفد بمقعدين في الشيوخ يفضح مسرحية القائمة الوطنية والتاريخ لا يكذب

اشتعلت النيران في قلب الوفديين قبل أسوار حزبهم، بعد أن فوجئ الجميع بإقصاء صريح مهين، خنق تمثيل الحزب التاريخي العريق في انتخابات مجلس الشيوخ 2025 بمنحه مقعدين فقط ضمن ما يُعرف بـ”القائمة الوطنية”، في مهزلة سياسية مكتملة الأركان لا تحتمل التجميل ولا الغموض.

لم يكن هذا الموقف مجرد خطأ في التقدير، بل نكسة منظمة، استهدفت إرث حزب لم يتغيب عن أي استحقاق برلماني منذ 1984، وشارك بشرف وثبات في أشد لحظات الوطن صعوبة، عندما صمت الجميع، وظل هو وحده في الميدان.

أوضح المهتمون بالشأن الحزبي أن الوفد لم يكن في أي وقت حزبًا طارئًا أو كيانًا موسميًا، بل أحد الأعمدة الثابتة في المشهد الديمقراطي، لا تنكسر تحت أي ظرف، فقد سجل حضوره النيابي في كل انتخابات، من أول اقتراع بنظام القوائم عام 1984، حين حصد 58 مقعدًا كاملة،

وواصل أداءه رغم كل التحديات في 1995 بواقع 6 مقاعد، ثم ارتفع إلى 7 في 2000، واحتفظ بـ6 في 2005، ومثلها في 2010، قبل أن يحقق قفزة نوعية في 2012 بواقع 14 مقعدًا في مجلس الشورى وفقًا لتقارير دولية محايدة.

ومع ولادة “القائمة الوطنية” في 2020، حصل الوفد على 26 مقعدًا في مجلس النواب و4 في مجلس الشيوخ، ليكون إجمالي تمثيله عبر هذه السنوات 109 مقاعد في الشعب والنواب، و20 في الشورى والشيوخ، بمجموع كلي بلغ 129 مقعدًا نيابيًا خلال 36 سنة متواصلة.

صرخ الغاضبون داخل الحزب، وسحبوا الثقة من القيادة الحالية بعد ما وصفوه بـ”الانبطاح الكامل”، إذ كيف يمكن تفسير قبول حزب بمكانة الوفد لمقعدين فقط؟ هل هذا هو جزاء التاريخ؟

هل هكذا تُكافأ الكيانات التي لم تنبطح، ولم تذُب في الأحزاب السلطوية، ولم تنغمس في تحالفات المصالح الضيقة؟ أشار الغاضبون إلى أن من لم يرضَ بهذا التمثيل الهزيل كان عليه أن يترشح فرديًا ليثبت قوته في الشارع، بدلًا من الصراخ والتباكي في الصالونات.

لكن السؤال الأعمق لم يكن عن الصراخ، بل عن الجريمة الأصلية في حرمان حزب كامل من التمثيل الذي يستحقه، وتحويله إلى ديكور انتخابي لا أكثر.

استكمل المراقبون سرد المشهد المقارن، ليزداد الموقف فضيحة: فحزب مستقبل وطن حصل على 316 مقعدًا في انتخابات 2020، تلاه حزب الشعب الجمهوري بـ50، ثم توزعت المقاعد المتبقية بين المؤتمر بـ7، المصري الديمقراطي بـ7، الحرية بـ7، حزب النور بـ7، العدالة بمقعدين، إرادة جيل بمقعد، في حين حصد الإصلاح والتنمية 9 مقاعد، ومصر الحديثة 11.

وبالمقارنة، فإن الوفد الذي يمتلك تاريخًا أعرق من كل هذه الكيانات مجتمعة، لم يُمنح في 2025 سوى مقعدين فقط، وكأن مقعديه تفضّل أو منحة أو صدقة سياسية لا استحقاقًا وطنيًا.

أكد الراصدون أن الوفد لم يغب يومًا عن الانتخابات منذ عام 1984، ولم يُحلّ، ولم يُجمد، ولم يُدمج كما حدث مع عشرات الأحزاب التي خرجت من المشهد أو تلاشت.

لم يتقلب على المبادئ، ولم يهادن التطرف، وشارك في تحالفات وطنية كبرى حين طُلب منه ذلك، كما حدث مع “القائمة الوطنية من أجل مصر” في 2020؛ ومع ذلك، جاءت مكافأته في 2025 على شكل صفعة مزدوجة: إهانة داخل التحالف، وطعنة من خارجه.

كشف أعضاء الهيئة العليا عن مشهد كارثي داخل الحزب بعد هذه الإهانة، حيث سحب الأعضاء الثقة من القيادة، وطالبوا بإسقاط رئيس الحزب عبد السند يمامة، بعد انسحابه من اجتماع الهيئة في مشهد اعتُبر بمثابة هروب من المساءلة الحقيقية.

أكد المحتجون أن الجمعية العمومية المنتظرة يوم 25 يوليو لن تكون اجتماعًا روتينيًا، بل محطة فاصلة، قد تكتب نهاية مرحلة قاتمة وولادة مرحلة نضال حقيقية.

اتهم كثيرون من داخل بيت الأمة بعض أعضاء الهيئة العليا بأنهم لا يبحثون عن معركة انتخابية بقدر ما ينتظرون تسكينًا على قوائم جاهزة، كما لو أن النضال السياسي أصبح وظيفةً مكتبية تنتظر فيها رسالة قصيرة باسمك منسوجًا في أحد الصفوف الأولى.

فإذا كان لأحد أعضاء الهيئة العليا قاعدة شعبية كما يزعم، أو قبيلة تتغنّى باسمه، أو رصيد نضالي في الشارع كما يدّعي، فلِمَ لم يتقدم بترشحه فرديًا؟! أم أن الصناديق حين تنكشف تُخيفهم أكثر مما تُغريهم؟! الصراخ في الصالونات لا يصنع نائبًا، ومن أراد الكرسي فليصعد الجبل لا أن ينتظر المصعد من تحالفات الآخرين.

الوفد لم يكن يومًا بوابة خلفية للسلطة، ومن يطالب بنصيب وهو لم يدفع ثمنه عرقًا واحتكاكًا بالشارع، فلا مكان له سوى في الصفوف الخلفية حيث يليق به التذمر والتثاؤب.

أشار المتابعون إلى أن المشهد السياسي لم يعد يتسع لأحزاب مستقلة حقيقية، وأن الوفد يدفع الآن ثمن تمسكه بهويته، ورفضه التحول إلى ذراع تابعة.

فإذا كان البعض قد باع تاريخه بحثًا عن رقم في قائمة أو مقعد عابر أو مكان في ذيل قائمة، فالوفد لم يفعل، ولم يساوم، ولم ينحنِ، ولهذا يُستهدف الآن بكل وضوح؛ لم يغب الوفد كما غابت كيانات أخرى كانت تملأ الساحة ضجيجًا، ثم اختفت حين اختُبر وزنها الحقيقي في صناديق الاقتراع.

مثل الحزب الناصري الذي لم يتجاوز تمثيله 3 مقاعد في أفضل أحواله، و التجمع الذي ظل يتأرجح ويتذبذب بين مقعد ومقعدين لعقود، بينما بقي الوفد حاضرًا ثابتًا راسخًا، يقاتل بثقله ورصيده، لا بشعارات ولا ادعاءات.

أوضح بعض المحللين المطلعين على كواليس المشهد أن معركة الحفاظ على تمثيل الحزب داخل تحالف انتخابي مغلق ومحدود المساحة ليست دائمًا محسومة لصالح من يفاوض، خاصة حين تتشابك الاعتبارات وتتصادم الإرادات خلف الأبواب المغلقة.

فرُبَّ قرار اتُّخذ تحت الضغط يُفهم كتنازل، رغم أنه في حقيقته محاولة لانتزاع الحد الأدنى من البقاء، وسط مناخ سياسي لا يرحم من يرفع صوته ولا من يصمت

أردف الوفديون أن ما يحدث الآن هو محاولة لإفراغ الساحة من كل معنى، وتحويل البرلمان إلى واجهة باهتة لا صوت فيها إلا لمن يوافق على كل شيء.

لكن الوفد، برغم كل ما يواجهه، لا يزال الرقم الصعب، لا يُقزَّم، ولا يُقصى بسهولة، وإن كانت أدوات الإقصاء اليوم أكثر نعومة، فإن الذاكرة الوطنية لا تنسى، والتاريخ لا يرحم.

وأوضحوا المحللون أن هذا الانحدار في التمثيل النيابي هو بمثابة إعلان صريح بتفريغ المشهد السياسي من كل من يمكن أن يملك رأيًا مستقلًا أو قاعدة حقيقية في الشارع؛ فإذا كانت القوائم تُملى من فوق، والمقاعد تُوزع بالمجاملات، فلماذا تُقام الانتخابات أصلًا؟

أغلقت الهيئة العليا للحزب جلستها على وعد بمحاسبة كاملة، وأكدت أن ما جرى ليس نهاية الوفد، بل شرارة انبعاثه؛ وإذا كان البعض يتوهم أن الوفد سينتهي بمقعدين، فهم لا يعرفون شيئًا عن الوفد.

الوفد ليس أشخاصًا ولا مقاعد، بل مدرسة وطنية، صنعت السياسة في مصر، ولن تنكسر برغبة من يجهلون حجمها؛ وإذا كانت الانتخابات أصبحت مسرحية بلا قواعد، فإن الوفد سيكتب قواعده بنفسه، ولو من جديد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى