مصر

استهداف طفل مولود بالسجن وتحويله لجثة تحت أنقاض غزة المحاصرة

استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي، بدم بارد، الفتى الفلسطيني يوسف الزق، أصغر أسير محرر في العالم، بعدما قصفت شقة عائلته السكنية وسط مدينة غزة فجر السبت، دون سابق إنذار أو مبرر عسكري. وأدى القصف المباشر إلى استشهاد يوسف على الفور، ليلقى مصيره بين الركام، في مشهد يعري كل الادعاءات عن “أهداف دقيقة” و”ضربات موجهة”.

وُلد يوسف عام 2008 داخل زنازين الاحتلال الحديدية، عندما كانت والدته، فاطمة الزق، معتقلة لدى سلطات الاحتلال، بتهمة المشاركة في المقاومة. وجاءت ولادته داخل السجن لتجسد جريمة مضاعفة ارتكبها الاحتلال بحق طفل بريء، دخل الحياة من داخل القضبان، وخرج منها ليعيش تحت القصف، ثم يدفن شهيدًا في عمر السابعة عشرة.

أوضح مقربون من العائلة أن يوسف لم يكن مقاتلًا، ولم يحمل سلاحًا يومًا، بل كان مجرد فتى يعيش مع أسرته في شقة سكنية صغيرة بحي مكتظ، لا تحتوي حتى على مأوى آمن أو طابق أرضي يحميه من النيران الجوية. ورغم علم الاحتلال بكل هذه المعطيات، لم يتردد في إطلاق صواريخه الثقيلة لتسقط على المنزل وتدفن الفتى تحت الأنقاض، وكأن ميلاده في السجن لم يكن كافيًا ليصبح هدفًا مبكرًا.

أكدت مشاهد الحطام وصرخات الأهالي أن الغارة جاءت مفاجئة، أثناء نوم الأسرة، ولم تكن هناك أي تحذيرات أو إشارات مسبقة. يوسف، الذي كان يستعد لمتابعة دراسته بعد انقضاء الحرب، رحل دون أن يحظى بفرصة أخرى للحياة. الاحتلال لم يكتفِ بملاحقة النشطاء، بل قرر تسوية الحساب مع طفل أصبح رمزًا عالميًا لقضية الأسرى، ليس لشيء إلا لأنه وُلد في لحظة عناد ضد القيد.

أشار متابعون إلى أن استهداف يوسف الزق بهذه الوحشية يعكس توجهًا متصاعدًا لدى جيش الاحتلال لملاحقة الرموز حتى لو كانوا أطفالًا، حتى لو لم يشاركوا في أي نشاط، حتى لو عاشوا كل حياتهم تحت الحصار والعزلة. اسمه وحده، يبدو أنه كان كافيًا لتحريك طائرة بدون طيار، وضغط الزر لقتله داخل منزله.

استدرك كثيرون أن قضية يوسف لم تكن مجرد حكاية أسير وُلد داخل السجن، بل كانت عنوانًا دائمًا في مسيرات التضامن والندوات الدولية التي تسلط الضوء على جرائم الاحتلال ضد الأسرى، خصوصًا النساء والأطفال. والآن، بإعدامه بهذه الطريقة البشعة، أراد الاحتلال أن يغلق هذا الملف على طريقته، وأن يرسل رسالة لا تحتمل التأويل: لا صوت يعلو فوق صوت الرعب.

أعلن أهالي الحي أن جثمان يوسف لم يُنتشل فورًا، فقد استغرق الأمر ساعات طويلة تحت الأنقاض، بسبب شدة الدمار وضراوة القصف الذي طال المنطقة. الطفل الذي دخل الحياة خلف القضبان، وخرج منها ليحيا ككل أبناء غزة تحت الحصار، غادرها اليوم شهيدًا صامتًا، حُرم من الطفولة، ومن الأمان، ومن المستقبل.

لفتت هذه الحادثة الأنظار مجددًا إلى أن الاستهداف لم يعد يستند لأي معايير أخلاقية أو قانونية، بل صار مشبعًا برسائل انتقامية مكشوفة. يوسف لم يكن رقمًا عاديًا في قوائم الشهداء، بل كان اسمه محفورًا في ذاكرة كل من عرف قصة ولادته، وكل من تابع كيف نشأ في ظل الحرمان والظلم ثم قُتل وهو يحلم فقط أن يعيش يومًا عاديًا كبقية أطفال العالم.

بهذا الاستهداف المباشر، أثبت الاحتلال مجددًا أن لا خطوط حمراء تُرعى، وأن تصفية القصص الرمزية مثل قصة يوسف أصبحت جزءًا من بنك الأهداف. بينما العالم يكتفي بالمشاهدة، يُطوى ملف يوسف بصفته أحد أكثر الوجوه دلالة على وحشية لا تتوقف، حتى لو تعلق الأمر بطفل لا يعرف من الحياة سوى الحصار، والدم، والغبار.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى