مقالات وآراء

عمرو هاشم ربيع : على هامش كوارث الحكومة المتتالية… متى يتم تفعيل مبدأ المحاسبة والمسئولية السياسية؟

مصر بلا مسئولية سياسية…. هكذا يُظهر الواقع الذي أصبحت مصر تعيشه اليوم. حوادث ونواكب وخُطب، لا رد فعل، لا محاسبات، لا اعتذارات، لا استقالات، لا إقالات، لا محاكمات… إلخ، ما يجعل الشائعات التي تُدينها الحكومة والناس تستشري. زاد الطين بلة، أنه لا بيانات ولا تقارير رسمية، كل ما في الأمر هو عبارة عن دفاع عن قضايا خاسرة من قبل بعض المسئولين، كتلك الأصوات التي نسمعها من الوزير كامل الوزير. أو هي أخبار كاذبة، تبدو مضحكة من وزير الاتصالات عمرو طلعت، الذي تحدث عن رفع كفاءة الإنترنت عقب كارثة حريق سنترال رمسيس.

أحداث كثيرة كلها متوالية، يُفترض أن تُسقط الواحدة فيها الحكومة، لكن ما يحدث هو الثقة المستمرة من الأجهزة الحكومية، خاصة البرلمان، ما يزيد السخط، ويدعم عدم المبالاة بالناس، وكلها ذات المظاهر التي كانت في نهاية عهد مبارك، وهو العهد الذي استهتر بالناس، واستمرأ سكوتهم، واستأمن عقبتهم.

أجهزة محاسبة إدارية شبه غائبة بطبيعة الحال،

ما يحدث اليوم هو أمر ناتج عن وجود حكومة مُدجنة، بسلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. فعقب كل حادث تأتي النيابة العامة، وتُعاين الموقف، ولا يوجد بيان يشفي الصدور، فيُحيل رئيس الوزراء أو الوزير للتحقيق، فلا استدعاء، ولا تحقيق مع هؤلاء. كل ما هو موجود إلقاء اللوم على كيانات غير آدمية كأجهزة الإنذار أو أجهزة الإطفاء أو سوء حالة الطرق أو عطل في شبكة ما أو عدم صيانة جهاز ما…إلخ. بعبارة أخرى، العنصر البشري يظل غائبا وغير موجود، ومن ثم تبقى الوزارة مُحصنة ورئيسها كما هو والوزير في موقعه، وهو أمر نتيجته غاية في السوء، لأنه إذا غاب العقاب أُسيء الأدب مرات ومرات لاحقة.

لكن ولأن زِيد الغضب وحدثت حالة الاحتقان، وأصبح من الضروري إيجاد من يدفع الثمن، فلا بأس حتى تهدأ الناس من تعليق الأمر على شماعة مخدرات السائقين، أو تأخر الإسعاف، أو عجز أجهزة الإطفاء عن الوصول في الوقت المناسب، أو تأخر الشركة المكلفة بصيانة الطرق في إنهاء الأعمال… إلخ. كل ذلك يعقبه جزاءات أو محاكمات لموظفين أو عمال صغار، ألقت بهم الظروف وعناء التضخم ولقمة العيش لبراثن الخطأ، في ظل غياب كامل لمتابعة الوزير أو رئيس الوزراء، الذي بات هو ورجاله مجرد موظفين، عاجزين عن حتى إلقاء بيان، بسبب الخوف من أن يثير ذلك مزيدا من اللغط.

محاسبة سياسية معلقة حتى إشعار آخر

مقابل ذلك، يظهر البرلمان عاجزا لا حول له ولا قوة، ليس لكونه فاقد الصلاحيات، فالصلاحيات كثيرة، لكن لكون البرلمان أكثر من نصفه من المعينين بحكم الأمر الواقع، لأن 50% قد أتوا عبر القوائم المطلقة المعيبة، والتي تُعتبر تزويرا لإرادة الناخبين، و5% آخرين من المعينين فعليا. هنا يُصبح أغلبية النواب لا ظهير لهم إلا السلطة، ويصبح الناس في أدنى اهتماماتهم، ولا يكون هناك أي رغبة للكثير من هؤلاء إلا في إرضاء من عينوهم أو سيعيدون تعيينهم في مجلس جديد هذا العام لا يسعون منه إلا الحصانة والوجاهة التي من خلالها يصول ويجول معظمهم بحثا عن الأرزاق.

وللحق، فإن غاية النائب هنا لذر الرماد في عيون من هم بالدوائر الانتخابية هو توجيه سؤال أو طلب إحاطة أو طلب إحاطة عاجل، وهذه أضعف وسائل الرقابة البرلمانية، وغايتها ومنتهاها مجرد رد من الوزير المسئول، الذي ربما لا يحضر هو الآخر، لمعرفته بمآل تلك الطلبات، التي شكت منها سلال مهملات برلمان القائمة المطلقة. لكن آلية الاستجواب (التي تُفضي هي الأخرى للانتقال إلى جدول الأعمال، ولربما الثقة في الحكومة، وتحميل الناس المستفيدين من الخدمة وضحاياها المسئولية)، تصبح نسيا منسيا، رغم أن مآلها الانتكاس والنكوث والنكوص، كما ذكر آنفا.

انشغالات بسبب المصايف والنهم لملء فراغ مجالس شبه منتخبة

بطبيعة الحال، فإن الكثير من الأمور يجب أن تُتخذ لمواجهة تلك النواكب، لكن السلطة يبدو، أنها منشغلة اليوم بحرارة الصيف ومنشغلة بنهم البعض بعضوية الشيوخ.

في العلمين، تتجه السلطة وتنشغل بالبقاء هناك طوال الصيف، ومن ثم، فإن شعورا متبلدا بالناس يتوالد مع عدم العيش في مشاكلهم، الطرق المفتوحة للسيارات الفارهة، والإشارات التي تُفتح أمام السيارات المسرعة لأصحاب الحظوة، والمدافع التي تظهر من نوافذ السيارات لمنع الاقتراب وإفساح الطرق للبعض، كل ذلك لا يجعل المسئول لديه أدنى قدر من الإحساس بمشكلات الناس ومعاناتهم، لشربة ماء نقي، أو لأسعار سلع في متناول اليد، أو رواتب تشير لحد أدنى من المساواة بين البشر، أو طرق آمنة وسهلة المرور، أو مساكن آدمية بأسعار مناسبة للجميع، أو تعليم جيد، لا يتباين ولا يتبدل بتبدل الوزير الذي يعتبر الناس مجرد حقل تجارب، إلى أن يأتي غيره لا ليُكمل عليه، بل ليجرب أمرا آخر، أو صحة بيعت أو استأجرت مستشفيات الحكومة، أو دواء تاجرت بدماء الناس به أباطرة وهيئات على مسمع ومرأى من الحكومة… أي محاسبة تلك أو رقابة في ذلك المُناخ.

وسط كل هذا، تظهر نخبة بازغة تسعى إلى أن تنهل من الكعكة عبر مواقع مستحدثة للوجاهة والحصانة من خلال أشباه انتخابات لمجلس، تعمدت السلطة، أن يكون منزوع الصلاحيات قوى الحصانة. انتخابات مجلس الشيوخ الجديد على الأبواب، ومجلس النواب- الذي لا يفرق كثيرا عنه- فُضت دورته البرلمانية، بعد أن كان كريما للغاية بترك نفر من الأعضاء يصرخون بسبب نواكب الطرق وحرق السنترال. الكثيرون يسعون إلى تجديد العضوية، الأمر لا يتعلق بالانتخابات في الأغلب الأعم، بل لمجرد حشر الاسم في القائمة المحظوظة، وهو ما يكفل لهؤلاء الفوز الآلي. وسط كل هذا المُناخ لن يفرغ أحد لمحاسبة أو رقابة.

نظام سياسي لا يتيح المُساءلة عمليا في هذه الأجواء

ورغم وجود بعض النصوص الدستورية التي تتيح مساءلة الوزارة، إلا أنه عمليا لا أحد يستطيع أن يقترب من هذا الأمر. نظامنا السياسي، ليس رئاسيا بشكل يجعل السلطة التشريعية، تشل حركة الحكم عبر الموازنة العامة، كما يحدث في النظام الرئاسي الأمريكي. كما أنه ليس نظاما برلمانيا، يستطيع من خلاله البرلمان إسقاط الحكومة عبر آلية المحاسبة السياسية والمسئولية الوزارية الفردية أو الجماعية، كما يحدث في المملكة المتحدة. ولا هو نظام يجمع بين الأمرين كما في التجربة الفرنسية. النظام القائم لمن يقرأ الدستور هو قائم على الهجين الذي يجمع بين صلاحيات السلطة التنفيذية الموجودة في النظام الرئاسي، وصلاحياتها الموجودة في النظام البرلماني، هو نظام يجعل الحكومة كما لو كانت تدير مؤسسة خاصة تمتلكها، وكل هذا يجعل وسائل الرقابة والمحاسبة الدافعة إلى الإقالة والاستقالة والعزل والمحاكمة لمسئولي الحكومة في حالة موات.

الوقت لم ينفد رغم هذا كله،

فإن الوقت لم ينفد بعد للحاق بمن أجرم في حق هذا البلد. رئيس الجمهورية لديه صلاحيات قوية، لعمل ما عجزت أجهزة الرقابة السياسية أو الإدارية عن فعله. بحكم موقع الرئيس، ولكونه القابض على تشكيل الحكومة وبقائها، وعلى سلطاته ذات الطابع القضائي، هو من يستطيع أن يُبرد قلوب الثكالى والأرامل والأيتام. هؤلاء رغم عوزهم، لن يُبرد قلوبهم بضعة آلاف من الجنيهات. الضرب بيد من حديد على يد الحكومة المقصرة، والتي استمرأت عذاب الناس، وتركت الفساد، ينخر في عظام عديد المؤسسات الإدارية، هو وحدة الكفيل ليس فقط بإدخال الطمأنينة على قلوب الضحايا، بل والأهم عدم تكرار ما حدث من نواكب.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى