
أقف اليوم، وقلبي يعتصرُ مرارةً وحسرةً، لأشهدَ ما يحدُث في بيت الأمة العريق؛ هذا الكيان الذي ارتوت جذوره من دماء شهدائنا، وتشكل وعيه على أنغام ثورةٍ وطنيةٍ خالصة، يتعرض اليوم لمحاولةٍ بائسةٍ للعبث بمصيره، وتقويض مكانته، على يد قلةٍ لا تدرك حجم المسؤولية، ولا تفقه أبجديات السياسة ولا تملك ذرة شعبية في الشارع المصري! إنها ليست مجرد دعواتٍ لسحب ثقةٍ، بل هي صفعةٌ مدويةٌ على وجه تاريخٍ حافلٍ، وطعنةٌ غادرةٌ في خاصرة وطنٍ ينتظر منا الصمود لا الانهيار.
لمن يتحدثون اليوم بصوتٍ عالٍ، ويزعمون أنهم حماةُ الوفد، أقولها بصراحةٍ ووضوحٍ لا يحتمل اللبس: كفى عبثًا! إن قضية حصول الحزب على مقعدين فقط في القائمة الوطنية لانتخابات مجلس الشيوخ ليست مبررًا لهذا الهياج المصطنع.
ألا تدركون أن هذه القوائم لا تُصاغُ على هوى البعض، بل هي نتاج معادلاتٍ سياسيةٍ معقدةٍ، تهدف إلى تمثيلٍ أوسع للطيف السياسي المصري؟ هل تظنون أن مقياس النجاح الوطني يختزل في عددٍ من المقاعد، بينما الوطن يتطلع إلى دورٍ حقيقيٍ، ورؤيةٍ واضحةٍ، وقدرةٍ على العطاء لا تملكها دعواتكم الفارغة؟
دعوني أكون أكثر قسوةً في طرح الحقيقة، فمصر لا تستحق منا أنصاف الحقائق؛ هذه الأصوات التي تعلو داخل البيت الوفدي، وتتحدث عن “القصور” في الأداء الانتخابي، هي ذاتها الأصوات التي لا يملك أصحابها رصيدًا واحدًا في الشارع المصري! أين أنتم من جماهير الوفد العريضة التي تعرف قدر قياداتها الحقيقية؟ أين هي بصماتكم على أرض الواقع؟ أين هي مشاريعكم التي تفيد المواطن البسيط؟ لا شيء! مجرد صخبٍ بلا فعلٍ، وتناطحٍ بلا جدوى، وصراعاتٍ تدور في أروقةٍ مغلقةٍ، بينما الوطن ينزفُ عرقًا ويكافحُ من أجل غدٍ أفضل.
إن السياسة يا سادة، ليست حلبةً لتصفية الحسابات الشخصية، وليست مسرحًا للمزايدات الرخيصة؛ إنها فنُّ بناءٍ، وعلمُ استشرافٍ للمستقبل، وقدرةٌ على استيعاب تطلعات الشعب.
وأنتم، للأسف الشديد، تفتقرون لكل ذلك؛ أنتم تعيشون في فقاعةٍ وهميةٍ، تظنون أنكم تملكون ناصية الأمر، بينما الحقيقة أنكم مجرد أصواتٍ هامشيةٍ، لا وزن لها في الميزان السياسي الحقيقي.
لقد تعلمنا في مدرسة الوفد أن الولاء للوطن، وأن الحزب هو الأداة لخدمة هذا الوطن، لا ساحة لتنافسٍ عقيمٍ يقضي على الأخضر واليابس.
من يوجهون هذه الاتهامات، ويطالبون بسحب الثقة، إنما يكشفون عن جهلٍ فادحٍ بقواعد اللعبة السياسية، وعن غيابٍ تامٍ للرؤية المستقبلية
هل تظنون أن القضايا الوطنية تحل بالصراخ والاتهامات؟ هل تعتقدون أن الشعب المصري، بوعيه الفائق، سيُخدع بمثل هذه المناورات المكشوفة؟ إنني أقسم بتراب هذا الوطن، أن التاريخ لن يرحم كل من يحاول العبث بمصير حزبٍ له من العراقة ما لا يملكه أحد، وكل من يسعى لإضعافه في لحظةٍ تاريخيةٍ فارقةٍ كهذه.
إنني، وكأي مصريٍ غيورٍ على وطنه، وعاشقٍ لحد النخاع لكيان الوفد، أتوجه إليكم، يا من تلهثون وراء الأوهام، بصرخةٍ من الأعماق .. استفيقوا من غفلتكم! انظروا إلى حجم التحديات التي تواجهها مصر، بدلًا من الانغماس في صراعاتٍ داخليةٍ لا تخدم سوى أهوائكم الشخصية.
انزلوا إلى الشارع، اقتربوا من الناس، واسمعوا نبضهم الحقيقي.؛ حينها فقط، ستدركون أن ما تفعلونه هو أقرب إلى العبث منه إلى السياسة، وأنكم تسعون لخسارة كل ما تبقى لكم من رصيدٍ.
الوفد ليس ملكًا لأحد، إنه نبض هذا الوطن؛ ومستقبله لا يُحدد بأصواتٍ شاذةٍ تريد الهدم لا البناء؛ على كل من يحمل في قلبه ذرة ولاءٍ لهذا الحزب، أن يدرك أن المصلحة العليا للوطن والوفد تتجاوز كل هذه الصراعات الهامشية.
استعيدوا رشدكم، أو ليرحل التاريخ بكم بعيدًا، ولن تتركوا خلفكم سوى صفحةٍ سوداء من الخيبة؛ فالوفد سيظل صامدًا، بقياداته الوطنية المخلصة، وبجماهيره العريضة، شامخًا كشموخ النيل، مدافعًا عن مصر، رغم أنف كل من يحاول إضعافه.
أختم مقالي هذا بصرخة وطنية: الوفد ليس ملعبًا لمظاهرات داخلية، والقيادة ليست لاعباً هشًّا تُزاح بتدوينة أو صوت خافت داخل اجتماع.
عودوا إلى قواعد الحزب، انطلقوا في المحافظات، طوّروا أدواتكم، وقدّموا الكفاءات، واضمنوا أن تكونوا صوت الجماهير لا صوت التناقض والانقسام؛ إذا لم تفعلوا، فإنكم ستكتشفون أن التاريخ لا يرحم من ينزل من قارب الأمة ليقيم نصبًا انتخابيًا شتويًا.
ومن لا يعرف الشارع فليصمت، ومن لا يملك قاعدة جماهيرية فليبتعد، ومن يرى في الوفد مجرد وسيلة للابتزاز الانتخابي فليبحث عن غيره، وإن كنتم رجالًا حقًا، فلتخوضوا الانتخابات على المقاعد الفردية ولتواجهوا الناس وجهاً لوجه، ليظفر من يستطيع منكم بلقب نائب برلماني ، ولكن لا تجعلوا من الوفد فزاعة لحساباتكم الهشة.
ولا أن تلوّحوا باسم الوفد لتغطية عجزكم الميداني، فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، والوفد سيبقى أرفع من أن يُستعمل فزاعة لأوهامكم الصغيرة.