اقتصاد

859.2 مليار جنيه تتدفق إلكترونيًا في ثلاثة أشهر بلا أثر واضح

كشف تدفق مالي مهول عبر المحافظ الإلكترونية في مصر عن مشهد بالغ الغرابة ومثيرًا للريبة، بعدما بلغت القيمة الإجمالية للعمليات المنفذة خلال الربع الأول من عام 2025 فقط ما يصل إلى 859.2 مليار جنيه مصري، في وقت لا يشعر فيه الشارع بأي انعكاس حقيقي لهذا السيل النقدي على حياته اليومية المتدهورة.

أوضح المتابعون أن هذا الرقم الضخم يعادل 12750 جنيهًا لكل فرد بالغ في سن 18 عامًا فأكثر، مما يعني أن كل شاب وفتاة نظريًا “استفادوا” من مبلغ ضخم في 90 يومًا فقط، بينما الواقع الفعلي يقول إن الغالبية تكافح لتأمين احتياجاتها الأساسية، وتعجز عن مجاراة تصاعد الأسعار الذي لم يرحم أحدًا.

أشار متفحصون لحجم هذه الأموال المهولة، التي لم تُترجم إلى أي تحسن في جودة الخدمات أو رخاء اقتصادي محسوس، متسائلين: من الذي يُدير هذه التحركات الخفية؟ ومن صاحب اليد التي تمرر هذه المليارات عبر قنوات إلكترونية لا يعلم عنها المواطن شيئًا؟ بل والأدهى، أن هذا الرقم تجاوز في ثلاثة أشهر ما قد لا يراه المواطن طوال عمره في حسابه البنكي.

اتهم ناشطون هذا التدفق بأنه واجهة لاقتصاد غير مرئي، تتحكم فيه دوائر غير خاضعة للمساءلة، تمارس نشاطها في الظل، بعيدًا عن أعين الرقيب، حيث تتكدس الأموال الرقمية في محافظ إلكترونية، بينما المحافظ الحقيقية للمواطن خاوية على عروشها.

أكد مهتمون بالشأن الاقتصادي أن هذه الأرقام تُستخدم لصناعة وهم التقدم الرقمي والازدهار المالي، بينما الواقع مليء بالتأجيلات، والتقسيط، والدين، والكروت المرفوضة، والطوابير الطويلة أمام ماكينات الدفع، في مشهد يتناقض تمامًا مع صورة “12750 جنيهًا لكل فرد” المزعومة.

أردف متخصصون أن المحافظ الإلكترونية، بدلًا من أن تكون أداة للتمكين المالي، تحولت إلى ممر سري تمر عبره مئات المليارات، دون أن يعرف أحد مصدرها الحقيقي، أو وجهتها الفعلية، أو كيف يُدار هذا الكم المهول من المعاملات في دولة يعاني فيها الاقتصاد من اختناقات حادة، ويفتش فيها المواطن عن “فكة” لدفع ثمن تذكرة أو خبز.

استنكر البعض أن يتم تمرير 859.2 مليار جنيه بهذه السرعة دون أن يشعر بها السوق، أو تظهر على شكل فرص عمل، أو دعم مباشر للفئات الهشة، أو حتى تحسين ملحوظ في الخدمات الأساسية التي لا تزال تشكو من ضعف في الأداء وسوء في التوزيع.

تساءل متابعون للشأن العام عن مدى الشفافية الحقيقية في هذه التعاملات، وهل نحن أمام اقتصاد موازي يتحرك تحت ستار “التحول الرقمي”؟ وهل هناك من يستفيد من هذه الأرقام الصامتة في مقابل حرمان الغالبية من أي مردود ملموس؟ أم أن هناك تلاعبًا ممنهجًا تُديره أطراف محترفة في التمويه المالي؟

لفت مراقبون إلى أن حجم هذه العمليات الضخمة في فترة زمنية قصيرة جدًا يكشف إما عن نظام مالي خارج السيطرة، أو عن مخطط خفي يُدار بدهاء لتمرير أموال بلا حسيب ولا رقيب، تحت عنوان براقي: “التحول الإلكتروني”، في حين أن التحول الحقيقي المطلوب هو كشف الحقائق لا إخفاؤها.

استدرك مطلعون أن الغموض المسيطر على هذا الملف لا يمكن أن يستمر دون محاسبة، فالشارع أصبح يدرك أن هناك ما يُدار في الخفاء، وأن تلك الأرقام لا تمثل رفاهية رقمية بل عبء يُضاف إلى سلسلة من الأوهام الرقمية التي لا تملأ الجيوب ولا تطفئ جوعًا.

هكذا، تُطرح الحقيقة على طاولة صامتة: 859.2 مليار جنيه مرت من تحت أقدام الناس دون أن يشعروا، ومن فوق رؤوسهم دون أن يلمسوا منها جنيهًا واحدًا، بينما تسجل المحافظ الإلكترونية أرباحًا خفية وتترك المواطنين في دائرة الفقر المرئية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى