كامل الوزير يتفاخر بمصانع تجميل المشهد رغم الغلاء والبطالة والديون

أكدت جولة كامل الوزير الأخيرة أن السلطة لا تزال تُراهن على المشروعات الاستعراضية بدلاً من معالجة أزمات الواقع المرير. إذ تحرّك الوزير بين عدة مواقع صناعية متباهياً بافتتاحات ووضع أحجار أساس لمصانع، بينما تعاني البلاد من شلل اقتصادي واضح، وغلاء فاحش، وعجز مزمن عن تلبية أبسط احتياجات المواطن.
أعلن الوزير بدء تشغيل مصنع للزجاج الهندسي بمحافظة المنوفية، مقام على مساحة 20 ألف متر مربع، بإجمالي استثمارات بلغت 25 مليون دولار، مع طاقة إنتاجية سنوية تُقدّر بـ2 مليون متر مربع. زعم أن المصنع سيعتمد كليًا على المكوّن المحلي، وسيوجه نصف إنتاجه للتصدير، وسيوفر 300 فرصة عمل مباشرة فقط، في وقت تتجاوز فيه أعداد البطالة حاجز 2 مليون مواطن.
استرسل الوزير في جولة استعراضية وضع خلالها حجر الأساس لمصنع جديد للثلاجات والديب فريزر بنفس المحافظة، باستثمارات ضخمة وصلت إلى 108 مليون دولار، وبطاقة إنتاجية سنوية 900 ألف وحدة. ادّعى أن المشروع سيُسهم في توفير 4000 فرصة عمل، لكن لم يوضح متى أو كيف، بينما الواقع يشهد تسريح آلاف العاملين من قطاعات حيوية دون بدائل حقيقية.
تفقد الوزير كذلك مصنع “أتكو فارما” للأدوية بقويسنا، المقام على مساحة 12 ألفًا و500 متر مربع، بإجمالي استثمارات مليار جنيه. أشار إلى أن المصنع ينتج أدوية بشرية وبيطرية ومكملات غذائية، ويوجه 98٪ من إنتاجه للسوق المحلي ويصدّر الباقي إلى أكثر من عشر دول. رغم ذلك، لم يتطرّق إلى أزمة أسعار الأدوية المحلية أو نقصها المتكرر في الصيدليات، والتي يعاني منها ملايين المرضى يوميًا.
لفت الوزير إلى زيارة مصنع “بيل كلر” لتشطيب الجلود، المشيّد على مساحة 63 ألف متر مربع باستثمارات 200 مليون دولار، ويشغّل 938 عاملًا. أوضح أن المصنع يُصدّر أكثر من 90٪ من إنتاجه إلى الصين والهند وروسيا والولايات المتحدة ودول الخليج، بطاقات إنتاجية ضخمة تصل إلى 40 مليون قدم جلدي و3000 طن جيلاتين و3000 طن أحماض أمينية سنويًا، دون أن يوضح لماذا لا يستفيد السوق المصري من هذه الكميات الهائلة أو لماذا لا يتم خفض أسعار المنتجات الجلدية محليًا.
أشار الوزير كذلك إلى زيارته لمصنع “بافاريا” لمعدات الإطفاء في منطقة جسر السويس بالقاهرة، المقام على مساحة 4574 مترًا مربعًا، ويضم 500 عامل. تفقد أقسام الطلاء واللحام وخطوط الإنتاج والتجميع، واطّلع على المعامل والمخازن ورصيف التصدير. ورغم ضآلة عدد العاملين، تحدّث وكأن المصنع يغيّر وجه قطاع الصناعة في البلاد.
أعلن نادر رياض، رئيس مجموعة بافاريا، عن مشروع مستقبلي ضخم لإقامة أكبر مصنع لإنتاج بودرة الإطفاء في مصر بتكلفة تصل إلى 2 مليار جنيه، بتمويل ألماني، وبخطة توسعية تبلغ 20٪ سنويًا، لكن دون أي تفاصيل عن الجدوى الاقتصادية الفعلية، أو الشفافية في هذا التمويل الخارجي.
استدرك الوزير بنبرة مطمئنة أن هذه الجولة تأكيد على جدية الدولة في تنفيذ رؤية “مصر الصناعية 2030″، ومواصلة خطط توطين الصناعة وتشغيل الشباب. لكن لم يُجب عن الأسئلة الكبرى: لماذا لا ينعكس كل هذا الإنفاق والاستثمار على تحسين دخل المواطن؟ ولماذا لا نرى تحسنًا ملموسًا في أسعار المنتجات أو توافرها؟ ولماذا تبقى البطالة والفقر في ازدياد، بينما الوزراء يتنقّلون بين حجر أساس وحفلات تصوير؟
هكذا تحوّلت جولات الوزراء إلى عروض مسرحية مكررة، تُرِك فيها المواطن يبحث عن العدالة الاقتصادية في مشاهد مصنّعة بعناية، تخفي خلفها واقعًا أقل ما يُقال عنه: محزن، ومجرد تمويه.