مشهد سياسي أحادي بلا منافسة وانتخابات مجلس الشيوخ شكلية تُكرّس السلطة للأقوى فقط

أغلق مجلس الشيوخ المصري باب الترشح لانتخاباته المرتقبة في أغسطس 2025 بعد ستة أيام فقط من فتحه، ليكشف الستار عن مشهد غير مسبوق من الانفراد الكامل، حيث لم يتقدم سوى كيان سياسي واحد للسباق الانتخابي، وهو “القائمة الوطنية من أجل مصر” التي أسستها أحزاب مقربة من السلطة وبعض القوى التي تُصنّف نفسها كمعارضة، رغم غياب أي مؤشر فعلي على وجود معارضة حقيقية داخلها.
أعلن المجلس انتهاء فترة الترشح دون ظهور أي قوائم منافسة، ليُحسم المشهد نظريًا قبل أن تبدأ العملية الانتخابية فعليًا، في وقت تنص فيه المادة 25 من قانون مجلس الشيوخ على أنه يكفي حصول القائمة على 5% فقط من الأصوات للفوز، وهو ما يجعل نتيجة الانتخابات، في شق القوائم، محسومة سلفًا بلا حاجة لأي دعاية أو أصوات حقيقية.
كشف المشهد عن استقالات فورية من البرلمان حيث قدم ثمانية من أعضاء مجلس النواب استقالاتهم للترشح لمقاعد مجلس الشيوخ، في حركة تبدو وكأنها إعادة توزيع داخلية للمقاعد بين وجوه محسومة سلفًا، ضمن إعادة تدوير الوجوه ذاتها دون منح فرصة لتيارات جديدة أو أصوات مغايرة.
شدد مراقبون على أن غياب التنافس الفعلي حول مجلس الشيوخ ليس تفصيلًا بسيطًا، بل يعكس انهيارًا كاملاً لفكرة التعددية، حيث بدا المجلس أشبه بغرفة مغلقة يُعاد شغل مقاعدها بتنسيق محكم، لا يترك هامشًا لصدفة ديمقراطية أو خيار شعبي.
هاجم سياسيون المشهد بأكمله، مؤكدين أن مجلس الشيوخ منذ نشأته لم يكن أكثر من واجهة تجميلية، وأن النظام القائم يهيمن عليه من جميع الجهات. فقد تم اختيار 100 عضو سابقًا من خارج القوائم المطلقة، وسيُعيّن رئيس الجمهورية 100 آخرين، ما يعني أن 200 مقعد من أصل 300 جرى حسمها بالكامل بعيدًا عن الإرادة الشعبية أو أي عملية اقتراع نزيهة.
استهجن ناشطون ترشح قائمة واحدة فقط، معتبرين أن ذلك لا يُعد دليلًا على قوة القائمة بقدر ما يكشف عن فراغ سياسي قاتل، يجعل من العملية الانتخابية محض طقوس شكلية تؤكد أن نتائجها باتت معلومة مسبقًا حتى قبل توزيع صناديق الاقتراع.
انتقدت قوى مدنية الطريقة التي تُدار بها الانتخابات، خاصة بعد إعلان “الحركة المدنية الديمقراطية” مقاطعتها التامة، بسبب ما وصفته بغياب الحد الأدنى من الشفافية وضمانات النزاهة، خصوصًا بعد إلغاء الإشراف القضائي الكامل، والاعتماد على نظام القوائم المغلقة الذي يُهدر قرابة نصف أصوات الناخبين في حال لم تتجاوز القوائم حاجز 50% + 1، وهو ما يقضي فعليًا على فكرة المنافسة من أساسها.
أوضح رؤساء عدد من الأحزاب الصغيرة أن تقديم أوراق مرشحيهم واجه عراقيل إدارية وأمنية، مشيرين إلى صعوبات مريبة في استيفاء المستندات المطلوبة، بما يوحي بأن المسار برمته لم يكن مفتوحًا أصلًا لمشاركة حقيقية.
أبرز التقرير غيابًا فعليًا لدور مجلس الشيوخ منذ إعادته عام 2019، فرغم النص على اختصاصاته المتعلقة بمناقشة مقترحات تعديل الدستور، والخطط العامة للتنمية، والتصديق على المعاهدات، ومراجعة مشروعات القوانين، إلا أن أداءه ظل صامتًا، لا يترك بصمة واضحة في الحياة السياسية أو التشريعية، وكأنما أنشئ فقط لاستكمال ديكور دستوري بلا مضمون فعلي.
صوّر المشهد الحالي مجلس الشيوخ كجهاز يكرّس الانفراد بالسلطة، ويُبقي اللعبة السياسية في إطار مغلق لا يتغير فيه شيء سوى المسمّيات، بينما تُختزل المشاركة الشعبية في مجرد حضور شكلي عند صناديق اقتراع لا تغيّر نتائجها شيئًا.